يُعد التفكير من ميادين التسابق لدى أمّم الأرض المتقدمة، ولأن الذكاء فيه جانب فطري ليس للإنسان فضل فيه، فإن التفكير المرتبط بهذا التميز يتأثر بهذه القدرات التي وهبها الله تعالى للإنسان، وهذا الأمر لا يتعارض مع أهمية قيام الإنسان بتطوير قدراته ومواهبه، ويرجع الباحثون التفاوت بين الناس في القدرات من حيث النوع والقوة إلى تلك العوامل الفطرية والمكتسبة، ومن هنا تسعى الأمم الفاعلة الْيَوْمَ إلى اكتشاف واستثمار العقول المبدعة، وتكليفهم بالقيام بدراسات متعمقة ترسم ملامح مستقبل البشر ليس في دولهم فقط، ولكن في العالم قاطبة، وبينما تتنافس أمّم الأرض في ذلك التسابق، نجد أن العثرات والعقبات تم وضعها أمام العقول المفكرة في بعض الدول، وهذا الأمر يعد أحد أهم أسباب تراجع الدور الحضاري للأمة العربية، فلماذا يتم تهميش المفكرين؟ المفكر مستقل بقراراته ومتحيز لآرائه لذلك لا يميل بعض المسؤولين في العالم العربي للتعامل معه، فهم يفضلون من يرفع لهم قبعة الإعجاب على كل كلمة تنطق بها شفاههم، ولو كان ذلك على حساب نجاح مؤسساتهم. العامل الثاني في محبة بعض المسؤولين في بعض الدول العربية للعقول الكسلانة، أنها لا تعيق تنفيذ الأعمال كما يبدو لهم، فهم أدوات جاهزة للتنفيذ ونادراً ما تكون قادرة على إبداء الرأي الآخر، بل لها سمة محببة لمن يقودهم إنها التصفيق لكل كلمة يرددها ذلك المسؤول، مما يوحي له بالتميز ويوهمه بالتفرد، لذلك نجد أن بعضهم وصل به الحال من الاستعلاء الفكري أنه لا يكاد يرى رأياً يفوق تصوراته. الأخطر مما سبق أن المفكر لديه غيرة على وطنه تحول بينه وبين التحالف مع من قدم مصالحه الخاصة على مصلحة الوطن، فكثير من المسؤولين في العالم العربي خلط بين الوظيفة والمصلحة الخاصة، فجعل من منصبه مطية للثراء الفاحش. كل ما سبق بالإمكان التعامل معه برفع شعارات طنانة رنانة توهم من يسمعها بأن هذا الإنسان هو الوحيد المخلص لبناء مؤسسته، ومن يعارضه من السهل التشكيك في ولائه وصدق انتمائه، وما أسهلها من مهمة الْيَوْمَ في البحث عن "ثلمة" في حياة المفكر كي نتعمد تهميشه، فلربما رجع البعض إلى مرحلة طفولة ذلك الإنسان أو فترة مراهقته الفكرية كي يجدوا في مسيرته ما يحبطه ويجعل فكره تهمة وتفكيره جريمة، بل وصعدت بعض الدول العربية من حربها على أصحاب العقول المفكرة كي لا تبقي لهم باقية وجعلتهم عبرة لمن يعتبر. أخطر ما يجابه به أصحاب العقول المفكرة الْيَوْمَ هو تهميشهم، في بعض الدول العربية، من الحياة العامة ومنعهم من التفاعل الإيجابي مع مستجدات الأمور. من أسرار تميز القيادة في الإمارات ما كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كتاب رؤيتي «يعجبني الإنسان الذي يخاطبني بالصراحة التي ينطق بها قلبه دون خوف أو مجاملة كيف يتعلم القائد من أخطائه إن قال له البعض ما فعلته كان حسناً مع انهم يبطنون رأيا آخر». في نهاية المقال لن يستطيع أحد ادعاء أن تهميش أصحاب الفكر المستقل يعد مكسباً للدول بل هو خسارة لطاقة إيجابية أودعها المولى عقولاً لم يتم التعامل معها بشكل جيد، فلماذا يستمر البعض في هذه السياسة وهي ليست من الكياسة.