كانت أياماً هي فرح الطفولة ومرحها، وذهبت معها، ربما هرّبتها المدنية التي حضرت، وربما غابت في المدينة التي كبرت، ربما انسحبنا إلى ذاتنا، مكتفين بنعمة الحنين لأشياء لن تتكرر، متذكرين ظلالنا التي كنا نسابقها، وأغانينا التي ننشج بها، وتفاصيل صغيرة كانت تشجينا، وهي اليوم قد لا تعني للآخرين شيئاً، من تلك الأشياء العزيزة العيد، حيث كان يعني فرحاً كاملاً، سابقاً ولاحقاً ومستمراً لنا، كان كالصخرة علامة، بحيث يمكن أن يؤرخ الناس بأيامه التي تسبق أو التي تلحق، كان العيد فرحاً مميزاً، ربما لقلة البشارات والمسرات والهدايا ولبس الجديد في ذلك الزمن، ربما لتلك الهالة المقدسة التي يحضرها معه، إما بعد نهاية شهر رمضان الكريم كعيد صغير أو مع قوافل الحجيج، و”شفاياهم” التي كنا ننتظر، كعيد كبير، هي اليوم ذكرى من غبش استطاعت العين الصغيرة والتي تصاب بالرمد كعيون أطفال ذلك الوطر أن ترصد شيئاً من بقايا الصور، مكونة شيئاً من المشهدية التي غابت ككل أشيائنا القديمة، ففي عيد الأضحى أو العيد الكبير كانت أيام الأسواق، والتي تعد بقدوم العيد كسوق يوم سابع أو ثامن أو تاسع، حيث تتقاطر الناس إلى سوق العين يعرضون ويقايضون بحاجياتهم البسيطة والضرورية لسير الحياة، فمعظم الداخلين إلى السوق باعة ومشترين، حيث كانت الأشياء ترد من أبوظبي ودبي وعُمان، وبإمكانك أن تشتري “زانه” من الرصاص لمحزمك قد تفرّغها في ختان بكرك، احتفاء بالفحولة المبكرة، وتتويجه بمعاني الرجولة أو يمكن أن تصليها في فضاء الفرح بزواج قريب أو نسيب أو يمكن أن تجعلها ذخر العوزات، وما يمكن أن يسري به الليل الطويل أو تشتري خنجراً تحلم أن تتبختر به في الأعياد والأعراس، وكافياً في الملمات أو عصا مُنتقاة أو مُحناة من خيزران أو عود رمان، لا لتهش بها عن غنمك، ولكن لك فيها مآرب أخرى، كتأديب ابن فرح للتو باخضرار شاربيه، ولم يعرف المبالاة أو هي زينة الرجل وممسك يمينه، في تلك العرصة التي يشهدها خلق كثير، للنساء نصيب في البيع والشراء، فكثيرات كن “يُبَرّزْن” تحت ظليل الغاف يعرضن للنساء ما يشتهين من بخور ولبان وطيب وزعفران ومحلب وعود وعنبر، وبراقع مقروضة، وللرجال مقصر مخيوط أو فرّوخة أو طربوشه معقودة أو كحال أثمد مدقوق أو حتى حناء يتقي به الرجال أرجلهم عن الحفاء والتشقق، في تلك السوق التي تبكر فجراً، ولا تنفض إلا عندما تغيب الشمس، ستظهر وجوهاً جديدة، بملابس جديدة لا نعرفها، يبيعون أشياء جديدة، لا يعرفها الرجال إلا إذا سافروا للبر الثاني أو ذهبوا للعالي، مثل غترة الشال ذخر الوقت والشتاء المريعي إذا جاء مبكراً كعادة برد الصحراء، حيث يظل الشاري يكاسر البائع حتى ينتقض غزلها.. ونكمل..


amood8@yahoo.com