يمثل القطاع المصرفي أحد أهم أعمدة الاقتصاد الحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة وأحد أكثر القطاعات الاقتصادية تنظيماً وتأثيراً· ومن هذا المنطلق تبرز قضية توطين هذا القطاع كخيار استراتيجي رئيسي· والتعامل مع توطين القطاع المصرفي لابد أن يتسم بالجدية وأن يبتعد كل البعد عن المصالح الشخصية والمهنية الضيقة، ولأنه قطاع مؤسسي ومهني فالقطاع المصرفي عبارة عن مدرسة تضم بين ثناياها التدريب المهني والقيادي بصورة قلما تتوافر في قطاعات اقتصادية أخرى والعمل على رفع نسب التوطين في القطاع المصرفي يمثل مصلحة وطنية مهمة ولا يمكن أن يحتكرها طرف دون باقي أطراف المجتمع والحكومة· وأن يعتقد هذا الطرف أنه صاحب وصاية على برنامج التوطين دون غيره·
ومن خلال هذه المقدمة نفهم حماس وتوجه الدكتور علي الكعبي وزير العمل والشؤون الاجتماعية والذي يريد أن تكون هناك مساءلة لبطء عملية التوطين من قبل العديد من المصارف فهو يريد أن يحفز القطاع لتفعيل التوطين وفرض ضوابط على البنوك المتلكئة في برامج رفع نسبة التوطين، وفي هذا السياق نستغرب الحملة التي تنطلق من مصالح شخصية ضد الدكتور علي الكعبي لأنها حملة تبحث عن الأعذار وتتذرع بالأسباب الشكلية محاولة إطفاء حماس الوزير وجهوده لتفعيل عملية التوطين، ويغيب عن هؤلاء أن طرح الوزير لم يأت من فراغ ولكنه وليد بطء الآليات الحالية وعدم تقيد البنوك بالنسب المطلوبة·
ونستغرب كذلك أن يقود الحملة الوزير السابق أحمد الطاير وأن يكون انتقاده للوزير علنياً وعلى صفحات الجرائد دون المقدمات والأعراف المطلوبة والتي تقتضي مناقشة الوزير في مقترحاته بدلاً من اللجوء المتسرع للإعلام، فالحوار وتبادل الرأي مع الوزير هو الأسلوب الصحيح للخروج بسياسة فعالة، ومن جهة أخرى يبقى أن الوزير السابق أحمد الطاير ومن خلال ترؤسه لأكثر من بنك تجاري ينطلق في هجومه من مصلحة خاصة ويدافع عن رؤية مرتبطة بموقعه كرئيس مجلس ادارة مجموعة بنك الإمارات وبنك دبي التجاري (واللذين تقل فيهما نسبة التوطين عن كثير من البنوك الأجنبية) ولهذا جاء رأيه في هذه القضية مجروحاً·
ويبدو أن الأمور اختلطت على الوزير السابق وتضاربت المصلحة العامة مع مصلحة المصارف التي يرأسها· وقدم المصلحة الضيقة على هدف أسمى وهو توطين القطاع المصرفي الذي لا يتحمل أن يعتقد الوزير السابق أنه وصي عليه وعرّابه·
قضية توطين القطاع المصرفي توطيناً فعالاً من القضايا المهمة والتي لا يجوز أن تحتكرها فئة دون أخرى والهجوم على وزير العمل والشؤون الاجتماعية الدكتور علي الكعبي ما هو إلا محاولة من البعض لاحتكار هذه القضية من خلال تغليب مصلحة بعض البنوك على المصلحة العامة· يحدث هذا ووزير العمل يتحدث عن البنوك فكيف سيكون رد الطاير إذا تطرق الحديث عن شركات السيارات مثلاً·
وأخيراً فليسمح لنا الوزير السابق، عندما يتكلم عن المؤهلات التعليمية، فمعاليه كان وزيراً للمال والتربية، ولكن لم نرَ آثار جمعه بين الوزارتين في مؤهلات الطلبة التي يشتكي منها الآن·