- أوروبا والدول المتقدمة انتقلت من إزعاج الآخر كالتدخين إلى أمور أخرى قد تضجر الآخر وتزعجه مثل الهواتف النقالة وكثرة رنينها والمكالمات الواردة والصادرة والصوت العالي الذي يقطع على الآخرين خلوتهم وسلوتهم ويعكر صفوهم لذلك خصصوا أماكن خاصة لأصحاب الهواتف النقّالة كبديل لأماكن المدخنين، والمدخنون حصروهم بداية في أماكن ضيقة، ثم قذفوا بهم إلى أماكن معينة في الشارع، واليوم لاحقوهم في كل الأماكن العامة والمطارات، ولم يبق لهم إلا بيوتهم، وهم أحرار إذا ما أرادوا إلحاق الأذى والضرر ونقل السموم إلى بيوتهم، قرار بريطانيا منع التدخين سيجعل من صدور مواطنيها أكثر نظافة وملاءمة للبيئة وستوفر أموالاً كثيرة تستنزفها الخدمات الصحية، وقلة ساعات الإنتاج وتعطيل أمور في الحياة كثيرة· - لأن أوروبا منضبطة الى درجة عالية فكل المواعيد بالأسابيع، مستشفى، توصيل أثاث، مطاعم فاخرة، تذاكر سفر، شراء بيوت، تبدأ من الصغير إلى الكبير من الأشياء، فالناس هناك أمورهم تمشي مع الساعات والدقائق، ولو كانوا يلبسون ساعات ''سواتش'' ونحن نلبس ساعات ذهب وألماس، وناسين عقرب الساعات والدقائق، فهناك لا مجال للصدف ولعجلتك ولظروفك، فوقتك أنت القادم إليهم، يجب أن يكون ضمن عجلة حياتهم وإيقاع يومهم ''مش والله جاي كم يوم، وتبا تخربط وقتهم وتوقيتهم، بساعاتك اللي تلقّ''· - لأن المناضل الشريف في الوطن العربي دمه دائماً مهدور، ولا يتذكره في حياته أحد كوطن أو مؤسسات سياسية أو اجتماعية، يبقى في أيامه الاخيرة عرضة للفقر والمرض والتجاهل والنسيان، وحين تنطفئ شمعته يظهر القوّالون والمدّاحون ومشجعو الجهات الرسمية، ومصفقو الحزب، ليرثوه ويقولوا فيه الكلمات الودائعية، وينثروا الورود على قبره ورمسه·· كان يمكن أن تكون كل هذه البهرجة كافية لعلاجه ومداواته وحفظ ماء وجهه، وجعله يعيش بكرامة وألق الماضي، لكننا في وطننا العربي نصرّ على التجاهل، ونكران الجميل والجحود المقيت·· ''ولو أبا أعدّ كم بأحصي وكم باعدّ''· - الناس في الدول المتحضرة يتعاملون مع الموجودات في الأماكن العامة بتقدير زائد، فلا يمكن أن تجد واحداً يسد موقفاً مخصصاً للمعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو يستخدم دورات المياه المجهزة لهم أو يشغل موقفاً لسيارات الإسعاف أو المطافئ، لأن الأمور عندهم محسومة ومحسوبة، ولا مكان لعدم الانضباط أو قلة الاحترام أو التصرف الشخصي الذي يسيء للمجتمع، لذا تجد هذا الاهتمام يتم تطبيقه من المواطنين العاديين الذين يقومون بتنبيهك عن سوء تصرفك أولاً، ثم زجرك بالصوت العالي ثانياً، ثم التبيلغ عنك إن لم ترتدع ثالثاً، لأن مثل هذه المسألة وهذا التصرف الذي أقدمت عليه، ينم عن عدم ذوق، وقلة احترام للمجتمع وعدم وعي بالمسؤولية، ولا تجدر بك صفة المواطنة الصالحة، والرقي الإنساني·