شكوى الناس من أقسام الطوارئ في المستشفيات، معقول أن يكون تبلياً من طرفهم، وأن لا حقيقة مما يقولون عن تدني الخدمات الطبية المناوبة ليلاً، وضعف إمكانات الأطباء، وكأنهم جلهم من المتدربين، والظروف العامة في تلك الأقسام والقائمين عليها، وكأنهم مجبورون على الخدمة، ومكرهون على المناوبة، ولا يتقاضون مقابلاً عنها، ولكي ندحض هذا الشك بين ما يقوله المراجعون المعذبون في الأرض ليلاً، وما تنفيه إدارات المستشفيات، وما أكثر تبريراتها، وعللها وتسويفاتها، علينا أن نضحي بثلاث ليال، ونجرب أن ندخل تلك الأقسام كمراجعين عاديين، ونقيم الخدمة، وكيف تجري الأمور؟ ونستطلع آراء الناس من موقع الحدث، وإلا هل يعقل أن تدخل أسرة بطفلة مكسورة اليد الساعة العاشرة ليلاً مثلاً، وتظل في الانتظار، والكشف الأولي الظاهر، حتى الساعة الثالثة ليلاً، وأسرة أخرى ظلت لساعات أربع بين كشف طبيب عام مناوب، وبين اجتهادات ممرضات، وحالة ولدها تسوء، ولا يعرف، ولا يهرع قسم الطوارئ بفعل شيء حقيقي يخفف من ألمه، ولولا تنبه العائلة متأخراً، وقرارها الفرار بالولد من ذلك المستشفى الحكومي إلى المستشفى العسكري، لكانوا خسروا الولد مثلما يخسر الكثير مرضاهم بقسم الطوارئ في مستشفياتنا!
الشوارع والطرق العامة حالها لا يسر، وهذا ليس من خلل أو ضيق فيها، ولكن ما آلت إليه حالات الناس، فقد انعدمت آداب وأخلاق استعمال الطرق والشوارع، وصار كم من الجهل وعدم الوعي، والشراسة في التعامل مع المركبة، وعنف لفظي جهراً وصمتاً في التعامل مع السائقين الآخرين، وغطرسة وفوقية في التعامل مع مستعملي الطرق، والكل يجتهد بعضلات يديه، فأصحاب الدراجات المروعة لهم طريقتهم في السباحة على الإسفلت، والدراجات “تيك أواي” لهم طرقهم الحلزونية في الوصول للزبائن، والأكل ما زال ساخناً، أما أصحاب سيارات الأجرة فأغلبهم كانوا سائقي جرارات زراعية في أرض مشاع، والنساء الله حارسهن وحافظهن، ويا حافظ عليهن، لكن بعد يا حافظ من قيادتهن، وسواقو الشاحنات خفيفها وثقيلها يكدون كد الإبل الشداد، لكنهم يرتكبون مجازر في الطرق، شوارعنا بحاجة لتأهيل، وتأهيل مستخدميها أبدى وألزم!
هناك أناس تخصصهم الكذب ليلاً، وحرفتهم “خريط آخر الليل”، وكأن ليس لليل أعين، وكأنه هو ملزم أن لا يجعل شيئاً يبات في رأسه، ولا يصبح على شيء في صدره، ففي الليل تكثر مواعيده ووعوده، وحين يصبح تغلبه الأجفان المثقلة، ويشعر بمرارة ساعات النهار، في الليل تجده كريماً، وشهماً، و”هاب ريح” ويعبر لك عن تلك الصفات برحابة وتواضع، لكن ما أن يغلبه النهار حتى تتطاير أخلاقيات الليل، ويتنكر لها، هؤلاء مثل طيور الليل، وأكثرها لا تبشر بالخير!


amood8@yahoo.com