الأقرب إلى العولمة وأسواقها الحرة وقسوة رأسماليتها واندماج استثماراتها وتجارتها، كان الأكثر تأثراً بلهيب الأزمة المالية العالمية. بيد أن ثمة استثناءات لتلك القاعدة لو صح التعبير، وأبوظبي إحداها، إذ أن انفتاحها الاستثماري والتجاري عقلاني الطرح، متزن التوجه. ودون الاعتماد على النفط، نما اقتصاد العاصمة 4% العام الماضي، هذا يعني حسابيا أنه من أعلى مستويات النمو في العالم، ولا يسبق أبوظبي في هذا سوى الصين (8.5% على أساس الاقتصاد الكلي) والهند (5.6% على أساس الاقتصاد الكلي)، بينما انكمش الاقتصاد العالمي، وأغلبية اقتصادات الدول المتقدمة. وتختلف الحال بالطبع باحتساب النفط، لأن تحسن الأسعار خدم العائدات المالية للعاصمة. وبالانتقال إلى مؤشر التجارة الخارجية تتفوق أبوظبي بفرق شاسع، فانكماش التجارة العالمية يعتبر الأسوأ منذ عام 1945، بينما نمت التجارة الخارجية لأبوظبي بنحو 9% العام الماضي. وحتى الدعم الحكومي للقطاع المصرفي، فإنه يعتبر أقوى من الدعم الحكومي للقطاع المصرفي بالولايات المتحدة بالنظر إلى حجم الاقتصاد والحاجة الفعلية للسيولة. كذلك، فإن شكل الدعم مختلف أيضا، والبنوك حولت الدعم إلى الشق الثاني من رأس المال، بينما تضيق الولايات المتحدة الخناق على قطاعها المصرفي الذي يترنح من الهزات وسوء الإدارة. ولا يتوقف الأمر عند سياسات الدعم، فالاستثمارات الخارجية لأبوظبي تظهر نمواً في العائدات السنوية بنهاية 2009، وفقا لجهاز أبوظبي للاستثمار، أي أن متوسط العائدات باحتساب عام 2009 أفضل من العائدات لغاية عام 2008، ما يثبت زيف التقارير التي تحدثت عن تراجع أداء صندوق الثروة السيادي. أبوظبي متفوقة بالواقع، وبالتوقعات المتفائلة التي أوردها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي. وتشير توقعات العاصمة إلى نمو قدره 6% للاقتصاد غير النفطي العام الحالي، وهو أعلى من متوسط النمو العالمي المتوقع بنقطتين مئويتين، ويعادل النمو المتوقع للاقتصادات الصاعدة والنامية حول العالم. أبوظبي كانت آخر العالقين في دائرة الأزمة المالية، ولكنها فعلياً أول الناجين وأسرعهم تعافيا. أبوظبي لا تعاني عجزا مالياً، ولا ترزح تحت دين عام، ولا تعاني معدلات بطالة مقلقة، أي أنها لا تواجه المخاوف التي تواجهها الدول المتقدمة من تبعات الأزمة وارتداداتها. لم تعد العاصمة تعتمد على النفط في تحريك الاقتصاد وتحقيق النمو، هناك عجلة تنمية حقيقية تدور في قطاعات مختلفة، الخدمية والمالية والصناعية، وحتى العقارية، مدفوعة بطلب حقيقي، وسياسات حكومية واعية. بهاء هارون | baha.haroun@admedia.ae