ثمة طرفان في هذه الحكاية: الطرف الأول: مطوعنا الأول، فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي ''شيخ الأزهر''، والطرف الثاني: ''عصابة'' الأربعة، وهم رباعي رؤساء تحرير الصحافة المصرية المستقلة، إبراهيم عيسى''الدستور'' وائل الابراشي ''صوت الأمة'' عادل حمودة ''الفجر'' وعبدالحليم قنديل ''الكرامة''· أما الموضوع فهو ما اتهم به هؤلاء الصحفيون بترويج إشاعات كاذبة عن مرض فخامة الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وهو ما تم تكذيبه من وسائل الإعلام الرسمية، ثم استنكاره والتحرك بمعاقبة الصحفيين بسببه من قبل أوساط الحزب الوطني الحاكم· ومما زاد الطين بلة، والموقف تعقيداً دخول ''مطوعنا الأكبر'' على الخط في كلمة له أمام الرئيس المصري، عندما طالب بجلد مروجي الشائعات ثمانين جلدة!! مما أضفى زخماً جديداً على القضية التي رفعها اثنان من المحامين من أعضاء الحزب الوطني الحاكم، ضد الصحفيين الأربعة لمعاقبتهم· هذا الموقف المنحاز من فضيلة الإمام الأكبر أثار زوبعة صحفية جديدة في الصحافة المصرية المستقلة، فطالب البعض بعزل شيخ الأزهر من منصبه! وقد استضافت قناة ''العربية'' الفضائية سماحة الإمام الأكبر ليرد على هذه المطالبة بالعزل، فأجاب بما يلي نصاً منقولاً من حديثه، دون تحريف، ولا تزيّد، قال سماحته، ولم أفهم أو أستوعب أو أدرك أو أتبين مثل كثير من المشاهدين ما قال فضيلته: ''الذي يطالب في عزلي، هذا ليس من حقه!! أنا في، طيب اللي يطالب بعزلي ده ليه؟ يعني عاوز يطالب في عزلي، ما يكتب كده، خطاب أني، إلى رئيسه، والله أنا كذا·· اللي يطالب بعزلي بالبتاع ده، ومن هو حتى يطالب بعزلي؟! وهل العزل ده، لا يملك أحدن يعزلني، ولا يعزل غيره، إلا عن طريق الهيئة القضائية·· مش كده؟ ما يقول في هذه الحالة أنا طالب، يكتب كده بخط يده، أنا أطالب بعزل فلان، وهو مش عضو مجلس شعب، ويقدمه لرئيس مجلس الشعب·· هل هذا أدب؟ ردي عليّ، هل هذا أدب؟ ما يقدم طلب إلى السيد الرئيس؟ عماله يقول·· عمل أيه ده كله، ليس من حق أحد عاقل أن يقول هذا الكلام·· أنا لا أستطيع أن أطالب بعزل العامل اللي عندي، اللي قدام الباب، ليس هذا من الأدب، لأن طالب العزل اللي ينظر فيه القضاء، طيب ما يكتب للقضاء··'' انتهى النص· لا اعتراض لنا على هذا الكلام، مع أنه كلام في مجمله غير مفهوم، يدل على شيء من التوتر والارتباك، والتدخل في شيء لا يعنيه أو تورط فيه، فلم يعرف كيف التراجع، أو كيف الخروج من هذا الوحل· أما الاعتراض على الجلد·· فليترك شيخنا الجليل الجلد كـ''عقوبة'' للقضاء، طالما هو يدعو منتقديه إلى اللجوء للقضاء· مطوعنا الجليل، أكبر من هذه المناكفات السياسية، ومقامه السامي يجعله مظلة أبوية لكل أبنائه الطيبين من مواطنين عاديين وصحافيين ومسؤولين وحزبيين وغير حزبيين، بل وزراء ورؤساء الوزراء وغيرهم· ثم إن محامي الحزب الوطني لم يقصروا في اتهام الصحافة المستقلة، والرئيس مبارك حافظ على هدوئه، وابتعاده عن المناكفات، رغم أن الموضوع يمسه ويعنيه، لكن هناك من هم ملكيون أكثر من الملك، جاهزون للذود عن مرمى الرئاسة، وحياضها، وخطوطها الحمراء بقصف الصحافة والصحافيين بأقسى النعوت، وتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور، والمرافعة ضدهم في المحاكم، والمطالبه بإنزال أشد العقاب بهم، دون النظر إلى طبيعة مهنتهم، ودورهم في الحياة السياسية والاجتماعية· مسكين من اعتبر الصحافة المستقلة ''سُلطة رابعة'' فهي في'' بلاد العرب أوطاني'' سَلَطَة من الدرجة الأربعين·