كناسك في صومعته، يشعل شمعة ويطفئ أخرى، ويضيء المكان بقناديل ريشته، ويعبق بالحبر فضاء معرض الكتاب.. محمد مندي، الرسام بوشام الفن، ووشاح الرقة الإبداعية، يجلس هناك في الزاوية القريبة البعيدة، وحوله تحوم فراشات الأمل، وبكل تواضع وأخلاق الفنانين الحقيقيين، يحدق في الوجوه، يرسمها في وجدان رجل محب، ويتأمل ويتزمل برائحة الألوان، بأشجان كائن أسطوري، خطوطه المتناسقة مثل شرايين قلبه الملأى بالدفء، وابتسامته الشفيفة لوحة تشكيلية لم يرسمها بعد أي فنان.. نحن محظوظون أن يكون بيننا فنان بهذا المقدار، وهذه القيمة وهذه الشيمة، وهذه الغيمة الممطرة دائماً. محمد مندي، عاكف دوماً على فنه، منسجم مع ذات اللون، والخط متوائم مع ثقافة مجتمع صارت نوافذه ملونة بأزهار البستان الزمني المزدهر، هو في المعرض، أيقونة تاريخية، وفي مكانه المحاذي لمشاعر الكثيرين ممن يجدون في الفن مبدأ حياة ووجود، هناك بخور التاريخ، وهنا عطور الزمن الوردي، وهناك أغصان أشجار سامقة، تتشابك لترسل ظلاً ظليلاً، يتفيأه عشاق اللون. محمد مندي، بعفوية المبدع، وفطرة الرجل الاستثنائي، يدهشك بهذا الكم الهائل من مفردات العمل اليومي، ومن جمل العطاء، فقط لأنه محب، وبالحب تنمو أشجان الفن وتكبر، وتصير موجة على ظهر أغنية بحار ما ملّ المواويل ولا سئم الأسئلة.. أسئلة الفن ورواياته وحكاياته ووشاياته وغاياته، وغواياته، أسئلة تكافح بلباقة وأناقة ولياقة من أجل ترسيخ المعاني الجليلة، والأسس ذات المغزى الإنساني الرائع. هو رجل لا يحب التنظير، ولا التأطير ولا التسطير ولا التفكير ملياً، إلا بالفن لأنه يمثل له مسألة حياة، وقضية أخلاق.. عندما تزوره، فإنه ينهض كنورس انفض سامره، والتفت إلى ضيفه يحييه بلبن الحياة وتمر الوجود، ثم يبدأ في شرح التفاصيل، وما يغرق ما بين السطور، يبدأ في تفسير أحلام اللوحة ولواعجها وأشجانها، يبدأ في تفصيل التفصيل، والابتسامة الرائقة عنوان هذا النقش على الورق، ومع لمعة الحدق، تبدو الحياة لوحة عملاقة، أحد رساميها هذا الرجل، وهو يطالعك بنظرة أشبه بنجمة تتألق بريقاً، وتتناسق ألقاً.. محمد مندي، الفنان الذي يستحق أن تنظر إلى لوحاته وتتأمل شعابها وأسبابها، لأنها سبب الإضاءة تحت سقف المبنى الكبير، والذي ضم أجنحة معرض الكتاب. محمد مندي، كلمة السر في الفن الإماراتي التي نطقت بها لوحاته..