أليس هناك اختراع آخر غير الكفيل؟! حاولت أن أعرف من جاء بهذا المبدأ أو الاختراع وزرعه في طريق مؤسساتنا بحيث أصبحت لا تستطيع السير بدونه، أينما تذهب تحتاج إلى كفيل وأحياناً كثيرة إلى كفيل مواطن، والمواطن يحتاج إلى كفيل أو من يكفله، في البنك تحتاج إلى كفيل، في الجوازات تحتاج إلى كفيل، في العمل والعمال تحتاج إلى كفيل، في الشرطة تحتاج إلى كفيل، أينما تولي وجهك فثمة كفيل مطلوب، والكفيل عليه أن يقدم جواز سفره، ضمانة للكفالة، بحيث أصبحت هذه المؤسسات تمتلك صناديق خاصة بجوازات الكافلين، وهناك موظفون مهنتهم حراسة هذه الجوازات ذات الأشكال والألوان، أليس هناك اختراع بديل، يحل بدل هذا الكفيل وبديلاً عن رهن الجوازات وتقييد حرية الناس وتحركهم، لقد سمعت أن هناك حالات من كثر ما استلزمت كفالات ورهن جوازات حتى غدا الكفيل الأخير لا يعرف صاحب المشكلة الأساسية،لأن في الوسط هناك أكثر من عشرة أشخاص متضامنين، الصديق يكفل صديقه، حتى أصبح صاحب المشكلة لا يمت للكفيل الأخير بأي صلة قرابة أو حتى صداقة، وقد لا يعرف حتى وجهه·
وأتساءل لو كان نظام الكفيل طبق في اليابان، لكانت الأمور عندهم تسير بقوة 6س والسين هنا بدرجة سير السلحفاة، ولو ارتضاه الألمان في تسيير أمورهم، لكانت ألمانيا اليوم مكتفية بتصنيع الخبز الألماني البُر و تفقيس الدجاج الألماني البيّاض، مع صناعات أخرى خفيفة مثل صناعة الفانيلات أم حمالتين ووزرة فَتَنّي والانجليزي رغم برودته مستعد أن يدخل في شجار مع أي شخص ولو كانت الحكومة نفسها إن طلبت منه أن يرهن جواز سفره أو يتركه حبيس درج موظف ليس مقتنعاً جداً بقدراته وتدبيره للأمور، أما الفرنسي فمستعد أن يتخلى عن رقته ويجهل فوق جهل الجاهلينا إن طلب منه صديق أن يكفله مقابل أن يضع هو جواز سفره ليقيده أو يمنعه من تملك وقته أو حرية حركته· لا تعدم الوسيلة·· هناك أشياء كثيرة لو بحثنا عنها لوجدناها بديلة لهذا النظام العقيم وغير الإنساني ولا المتحضر، ما أحلى النرويجي أن يصبّح من الصبح عند مبنى الجوازات ليكفل واحداً ويرهن جوازه فدى لرأس ومغامرات ذلك الآخر·
حتى أنني لا أعتقد أن الفيتنامي أو البورمي يقبل أن يكفل شخصاً في البنك أو يحل بجوازه محل شخص آخر لديه قضية في الشرطة، أما إن كان لديك صديق اسكتلندي فانصحك منذ البداية ألا تفكر في مفاتحته بهذا الأمر، فأنت لا تضمن ماذا يخبئون تحت مآزر تنايرهم القصيرة، أما الأيرلندي فمستعد أن يقرع كأسه بكأسك، لكن إن تطرقت لموضوع الكفيل فسيكسّر الكأس على رأسك·
لقد اضطررت للإقامة في أوروبا سنوات، وكنت أجدد إقامتي كل سنة، لا طلب مني أحد كفيلاً ولا أخذ أحد جواز سفري، ولو ليوم واحد، كله إجراء سريع ومواعيد منضبطة، والموظف هناك ليس لديه أدراج في مكتبه، ولم يطلب مني أحد أكثر من عنوان سكني فهو نقطة التواصل وكل شيء بالبريد العادي أو المسجل وتجده في صندوق سكنك، بدءاً من رسائل الأصدقاء إلى فواتير الكهرباء والماء وضريبة التلفزيون وضريبة البلدية وضرائب الدولة ونتائج امتحاناتك وقبولك في الجامعات، واليوم تحول إلى نافذة صغيرة في كمبيوترك تربطك وتصلك بالعالم·
موضوع الكفيل موضوع صغير، لكنه تبنى عليه أشياء كبيرة، فإن كنا جادين في التخلي عن الأوراق والملفات وشهادة الشهود وما قاله الإمام مالك في موطأه، وصححه أحمد في مسنده، والاتجاه نحو ما تفرضه الحياة الجديدة ولغة تواصلها العصري، والقفز بخطوات نحو المستقبل والتحد يق في أفق عالمي، ألا ننظر إلى الأمور من وجهة نظر الأعراب وتفسيرهم لحياتنا العصرية وفق منظورهم وسقفهم القديم·