صعب أن يقرأ الإنسان نفسه بعمق، ويفلح في تلمس مشاكله ومكامن الخلل فيها، ولكن الصعوبة تقل عندما يكون هذا الفعل موجها لقراءة الآخرين وتحليل نفوسهم وتقييم سلوكهم؛ ولأن الحياة قصيرة، تأتي أهمية الأعمال الأدبية التي تقدم لنا فرصاً كهذه في قراءة الآخرين وتقييم سلوكهم والخروج بأفكار ومبادئ عامة حول الحياة التي نعيشها، لنرسم لغة خاصة بأبجديات مختلفة لقراءة أنفسنا، لنضيء الطريق الذي نريد أن نُكمل فيه مشوار الحياة. رواية «عزازيل» للكاتب يوسف زيدان تشبه هذا النوع من الأعمال الأدبية - على عكس ما رآها الكثيرون -، فهي مرآة تعكس من زمن سابق وبعيد أحوالنا «الآن»، نظهر نحن فيها بوجوه مختلفة وفي أماكن مختلفة وديانة مختلفة. إنها رواية تتدافع فيها عشرات المشاهد التي نعيشها بتفاصيلها وبدلالاتها. وما تفعله بنا المشاهد المصورة في مثل هذه الأعمال، علينا استثماره في قراءة مدلولاتها التي تتجاوز زمن العمل، وإعادة تطبيقها على أنفسنا وأفكارنا وتصوراتنا حول الآخرين. إحدى تلك الصور المؤثرة في رواية «عزازيل» التي لا يمكن تجاهل مدلولها على الواقع المعاش، حادثة قتل «هيباتيا» عالمة الرياضيات والفلسفة والفلك؛ فعلى الرغم من مرور ما يقارب 16 قرناً - منذ أن تجرأ عليها الجهلة والغوغاء عام 415 ميلادية، وسحلوها في شوارع الإسكندرية لاختلافهم الديني معها - لا تزال «هيباتيا» تتألم كل يوم عندما يقتُل الجهلة الجمال والإبداع والحُلم بدعاوى الاختلاف. عندما لم يتحمل المسيحيون المتشددون قدرة العالمة «الوثنية» «هيباتيا» على جذب الكثيرين حول علمها وأفكارها الفلسفية، قاموا بقتلها في احتفال دموي، وصفته بعض المصادر بشكل وحشي، فيما تفنن المؤلف «زيدان» في تفصيله بصورة مفجعة. خلال قراءة ذلك المشهد وتتبع تفاصيله، لا يمكن إلا وأن تنصهر ذاتك معه، فتصبح أحد شخصياته، وتتجرد من مادية المشهد، لتتأمله بطريقة أعمق من مجرد كونه عراكاً بين المتشددين والعالمة، وإنما عراكاً بين نفسك والآخر المختلف معك. كان الاختلاف الديني – ومازال - لدى البعض سبباً مبرراً لارتكاب الكثير من الأفعال ضد المختلفين؛ غير أن دائرة الاختلاف أخذت في الاتساع لتشمل كل من حولنا ولا نتفق معه! لعل الفعل الأخير نتيجة للحالة الأولى، فالقدرة التبريرية لدى الإنسان والتي يعتقد فيها أنه يمتلكها باسم الحق الإلهي في محاسبة الآخرين، لا يمكن إلا أن تنفرط لتصيب كل الاختلافات حولنا. ولأننا لا نملك قدرة التعامل مع الأفكار المختلفة، فإننا نتحول إلى محاربة أصحابها، واستخدام الحق الإلهي في محاسبتهم، فنقتل بسلوكنا هذا الجمال والإبداع والأحلام، ونشوه أصحابها ونسحلهم مادياً؛ غير أننا في الحقيقة نشوه أنفسنا ونسحلها. Als_almenhaly@admedia.ae