ظهرت إشاعة في البلاد العربية وتناقلها الناس مضيفين عليها من بهارات التهويل والتضخيم ما جعلها تتسرب إلى أطفالنا، والقصة مفادها أن طالبة مستهترة تلبس الجينز المرصوص والفانيلة القصيرة فوق السرة، متبهرجة بزينتها، كانت تسمع أغاني البوب ومطربات بحبك آه·· بحبك لا·· وكانت أمها تناديها لتقضي لها طلباً، فتضايقت البنت من نداءات أمها المتكررة، ثم حضرت إلى غرفتها غاضبة محتجة، فوجدت أمها تجلس على سجادة الصلاة تقرأ القرآن، فأخذت القرآن من يد أمها ورمته على الأرض، وهي في عز الهستيريا التي أصابتها - لا حظوا هنا التوقيت وتزامن الإشاعة مع ما كان يطرح من تدنيس المصاحف في السجون الأميركية - فسخط عليها الله، وتحولت إلى مسخ بين الإنسان والحيوان، ولكي يصدق الناس، ركّب مع خبر الإشاعة صور بــ الفوتوشوب لوجه امرأة مشوهة للغاية، ومنفّرة، ثم مرّروا تلك الإشاعة وخبرها وصورها للكثير من الأسر والعائلات وبصّروا بها الفتيات والأولاد الصغار حتى جعلوها حقيقة صريحة، وأدخلوا الفزع والرعب لقلوب الصغار والشباب، وأن مصيرهم سيصبح مثل مصير تلك الفتاة المستهترة والمتبرجة التي أغضبت أمها وأغضبت الرب واستهترت بالمصحف، فنالت جزاءها في الدنيا السخط والمسخ وفي الآخرة عذاب القبر وبئس المصير·
نترك القصة ونتفكر ونتدبر في غاية مطلقها، ونتساءل هل من يريد وعظ الناس وحمايتهم من الزلل والخطأ وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، عليه أن يزرع مثل هذه الإشاعة التي تحمل في ثناياها جهلاً نغرسه في عقول أبنائنا ورعباً نودعه في نفوسهم البريئة؟! من المستفيد الحقيقي من إشاعة مثل هذه الأراجيف والأباطيل؟! وكأن مجتمعنا العربي والإسلامي تنقصه مثل هذه القصص الساذجة، وينقصه إلغاء عقل الإنسان فيه، والجهل الذي يعيش فيه·
ولكم أن تلاحظوا أيضاً اختيار فتاة أقصى ما يرعبها أن يتحول وجهها الجميل إلى شيء بشع ومخيف، يفر منها الناس، ويظلم مستقبلها ويتحطم استقرارها العائلي، وكيفية وصف ملابسها الخليعة وزينتها التي يجب أن لا تظهر إلا لزوجها·
أليست هذه الشائعة، دعوة غبية للتحجب وتغطية الوجه ومنع التمتع بمزايا الحياة؟ أليست هذه الشائعة المركّبة والمزيفة، دعوة قاسية نحو التحجّر والانغلاق؟ مستغلين ظروفا بعينها، لتسريب مثل هذه الأكاذيب المفتعلة، أين الدعوة بالحسنى والمعروف وبالتي هي أحسن، ما هذه المجانية الغبية للنصح والإرشاد والتبليغ، هل مجتمعاتنا العربية والمسلمة فعلاً هشة لهذه الدرجة؟ وهل الجهل وصل بنا مداه، فلا قدرنا أن نخرج من دوائره وشراكه التي تنصب لعقول صغارنا وشبابنا، وبدلاً من أن نحضهم على العلم والفهم واستعمال العقل، زينة الإنسان في حكمه على الأمور وقياس الصالح منها، وتجريب المسائل ليكون له أجر الاختيار والمقارنة واتباع الشيء الذي يريح النفس ويمنع أمراض المجتمع، ندبج له قصصاً تفضح مطلقيها·· وتضعهم في خانة أعداء العقل والدين··