ما الذي يحدث في سوق التنين الصيني المعروف باسم “دراجون مارت” والكائن في إمارة دبي؟ فالآلاف وربما عشرات الآلاف من المتسوقين الذين تكتظ بهم المساحات الشاسعة في ذلك المركز خلال جميع أيام الأسبوع، لا يسأمون من التجول والتبضع من المحال المختلفة ليجعلوه واحداً من أنشط المراكز التجارية بالدولة. لم يكن الأمر كذلك مع بدايات افتتاح المركز، فإقبال الناس كان محدودا ويتركز في أيام آخر الأسبوع فقط، والبعض منهم كان يتخوف مما أثير وقتها من شائعات وأكاذيب حول وجود “أكلة لحوم بشر”، لكن ما يحدث الآن في ذلك المبنى الذي يمتد على مسافة تبلغ الكيلو متر مربع، أمر يبعث على الاستغراب، فهو ليس مثل المراكز الشهيرة ذات الديكورات الراقية والماركات العالمية المشهورة وأركان الأطعمة وألعاب الأطفال، بل هو مركز لبيع مواد بناء ومستلزمات منزلية وكهربائيات ومعدات معدنية وبلاستيكية وبعض الملابس الجاهزة والمنتجات الأخرى، ورغم ذلك يستقبل الآلاف من البشر يومياً. لعل هذا الإقبال يرجع إلى عدة أمور، أهمها أن المتسوقين وجدوا بين أروقة هذا المبنى ما لم يجدوه في غيره، فكل ما يمكن أن يخطر بالبال من مستلزمات المنازل وغيرها قد يكون موجودا في هذا المكان، وبأسعار زهيدة تقل بكثير عن الأماكن الأخرى، وليس على الشخص سوى البحث بين الأزقة والمحال المختلفة ليجد ما يريده. الأهم من كل ذلك أن سوق التنين ليس مجرد مركز للتسوق، بل هو مكان يعكس مدى تطور الصناعة الصينية وتغلغلها في الأسواق العالمية وتنامي الطلب عليها ليس على مستوى الشركات والمصنعين فقط، بل على مستوى الأفراد أيضا، وهذا الأمر يجب أن يلفت أنظار الاقتصادات العالمية المتقدمة في الدول الصناعية، فإذا استمر الفارق في الأسعار كبيرا بين المنتجات الصينية ومنتجات الدول “المتقدمة”، فستواجه الأخيرة مصاعب جمة في المنافسة والانتشار العالمي. ويجب ألا تعول تلك الاقتصادات كثيرا على مستوى الجودة التي يقال إن الصناعة الصينية تفتقر إليها، فالصينيون أثبتوا أنهم سريعون في إدخال التحسينات على منتجاتهم المختلفة، وهو ما أسهم في تنامي إقبال المستهلكين على تلك المنتجات. أذكر أنني حضرت قبل عدة سنوات المؤتمر الصحفي الذي تم فيه الإعلان الأول عن مشروع سوق التنين في دبي، ولم أكن أتصور وقتها بأن السلع الصينية ستجد كل هذا الصدى هنا في دولة الإمارات، ولكن من الواضح أن الخطط والرؤية التي قامت عليها فكرة إنشاء هذا المركز كانت في محلها، فقد أصبح اليوم من أكبر مراكز بيع المنتجات الصينية بالعالم، وثبت اليوم أن ذلك القرار كان قائما على رؤية استشرافية وواقعية لمستقبل وتوجه الاقتصاد العالمي برمته. hussain.alhamadi@admedia.ae