يُسميّ البعض ما يظهر على الإنترنت بـ «نهم للمحتويات المقتضبة»، يتجسد عبر الرواج الصاروخي لبعض الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الإلكترونية التي تحاول إشباعه بمزيد من أسرع خدمات وأدوات الوصول والتفاعل. وتكافح هذه الشبكات والوسائل، في كل لحظة وحين، للحفاظ على رواجها وتنميته، فهي تدرك أنها قد تخسر أهميتها سريعا عند أي إهمال لصالح طرف آخر، تماما كما حصل معها قبل أشهر أو سنوات قليلة على الأكثر. يعلّمنا «التاريخ الحديث» للإنترنت -والإعلام الجديد- أن ولاءات المستخدمين لوسائل الإعلام، الاجتماعي وغيره، متقلّبة للغاية، مهما كان هذه الوسائل عملاقة الآن. هذا إن أمكن الحديث عن ولاءات أصلاً. ليس أدل على ذلك سوى حالات الصعود والانحدار السريع للعديد من شركات التكنولوجيا والإنترنت؛ فبعض محركات البحث العالمية تكاد تختفي من ذكريات عشرات الملايين، الذين كانوا بُهروا بها في بداية عهدهم بالإنترنت. ويمكن القول إن العلاقة الآنية بين المستخدم ووسائل وشبكات الإعلام الجديد، حتى لو دامت أشهرا أو بضع سنوات، تغذي بدورها اعتقاداً واسعاً بعدم صدقية ودقة.. وابتذال هذا الإعلام، الأمر الذي قد يؤثر مباشرة على طبيعة عمل الإعلام والصحافة مستقبلا، ولا يتركه لقمة سائغة بفم شركات التكنولوجيا والإنترنت. لقد أسهمت عوامل عدة بالوصول إلى هذه الحالة، منها مجانية هذه الخدمات (وهذه العلاقة)، ومنها إتاحة الحجم المفتوح والكميات الهائلة للنشر أمام كل مستخدم، لدرجة المبالغة وإمكانية تصرفه أحيانا كناشر متعسف (لا يقبل آراء غيره مثلا)، أو معلّق يملك أسرار الحقيقة فيصطف مع نظرائه من المستخدمين ويرفض الجدل أو يتجنبه. في السياق نفسه؛ يجب إدراج ظاهرة لهاث ملايين مصادر المعلومات وراء القراء والمستخدمين، حتى أصبح القارئ أو المستخدم يتدلّل في بعض ممارساته مع هذه المصادر لدرجة عدم الشعور بالحاجة لها، أو ممارسة نوع من فوقية عليها وانتقائية غير مسبوقة (تبرز مثلا في طريقة تصرفه -وحذفه- لنشرات الأخبار المجانية التي قد تصله بطريقة أو أخرى). هذا الدلال الذي يمارسه المستخدم لابد أن يترك آثاراً على عملية صناعة المعلومات والمعرفة والأخبار، أو يجعل كثيرا من المواقع والناشرين يحتارون في كيفية كسب ود المتدللين، فيغامرون ويختارون نشر كل شيء وأي شيء، في شتى المجالات وبأقل ثمن وبدون أي جودة أحياناً كثيراً، وهي أمور تنعكس بدورها -مرة أخرى- على نظرة المستخدمين الدونية لمحتويات الإنترنت والإعلام الجديد. ولهذا كله يمكن الحديث عن علاقة غير متوازنة في الإعلام الجديد، بين القراء والمستخدمين من جهة وبين الإعلام والناشرين من جهة أخرى. بل يمكن القول إننا بصدد علاقة مذلة، لايزال فيها كثير من الاستجداء. ولأنها كذلك فإنها لا يمكن أن تدوم على هذا الحال، ولا بد أن تطرأ عليها مستقبلا تغيرات كثيرة، تصحّح هذا الخلل، وتحفظ كرامات الجميع. barragdr@hotmail.com