تختص بعض الألفاظ في «العربية» بحالات أو هيئات معينة، ويحاول البعض استعارتها في كتاباتهم أو حديثهم إلا أنهم يخفقون في ذلك، لعدم معرفتهم المعنى الدقيق للكلمة، ويستخدمونها في غير موضعها، وكثيراً ما يستوقفني الاستعمال غير الموفق لكلمات في غير مكان أو وجه الاستشهاد، لذا أحاول منذ فترة تسليط الضوء بشكل مركز على المعاني في المعاجم والقواميس اللغوية التي تغري الباحث فيها بمزيد من الغوص في أعماق بحور الضاد، بحيث ينسى نفسه لاستمتاعه بالفوز بلآلئ اللغة المختزنة الكامنة في الأعماق. ومن سحر وروعة لغتنا أن بعض هذه الألفاظ عندما تقرأ في سياق ما يفهم معناها بكل يسر ويفهمها الجميع من خلال هذا السياق، فمثلاً كلنا يفهم معنى «انبجست» في قوله تعالى «فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً» (الأعراف: الآية - 160)، بأن معنى «انبجست» نبعت. والمعنى الدلالي الدقيق للانبجاس أنه خروج أو تفتح الماء، خاصة من أرض أو صخر أو حجر.. بجس في (مقاييس اللغة) الباء والجيم والسين: تفتُّح الشيء بالماء خاصة. قال الخليل: البَجْس انشقاقٌ في قِربةٍ أو حَجَرٍ أو أرض يَنْبع منها ماء؛ فإن لم ينْبع فليسَ بانبِجاس. وقال العجاج الانبجاس عام، والنُّبُوع للعين خاصّة. قال الله تعالى: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (الأعراف: الآية - 160).. ويقول العرب: تَبَجَّس الغَرْبُ.. وهذه أرضٌ تَبَجَّسُ عُيوناً، والسَّحاب يتبجَّسُ مطراً. قال يعقوب: جاءنا بثَريدةٍ تَتَبَجَّس.. وذلك من كثرة الدَّسَم.. ويقال: بجَسْتُ الجرح مثل بطَطْتُه.. وفي (لسان العرب) إِن لم يَنْبُعْ الماء فليس بانْبِجاسٍ. والسحابُ يَتَبَجَّسُ بالمطر.. وبَجَسْتُ الماءَ فانْبَجَسَ أَي فَجَرْتُه فانفجر. وبَجَس الماءُ بنفسه يَبْجُسُ، يتعدّى ولا يتعدّى، وسحاب بُجْسٌ. وانْبَجَسَ الماءُ وتَبَجَّسَ أَي تفجر. وفي حديث حذيفة: ما منا رجل إِلا به آمَّةٌ يَبْجُسُها الظّفُرُ إِلا الرجُلين يعني عليّاً وعمر، رضي اللَّه عنهما. الآمّة: الشجة التي تبلغ أُم الرأْس، ويَبجُسُها: يَفْجُرُها، وهو مَثَلٌ، أراد أنها نَغِلَة كثيرة الصديد، فإن أراد أحد أن يفجرها بظفره قدر على ذلك لامتلائها ولم يحتج إلى حديدة يشقها بها، أراد ليس منا أحد إِلا وفيه شيء غير هذين الرجلين. ومنه حديث ابن عباس: أنه دخل على معاوية وكأنه قَزَعَةٌ يَتَبَجَّسُ أي يتفجر.. وجاءَنا بثريد يَتَبَجَّسُ أُدْماً.. وبَجَّسَ المُخُّ: دخل في السُّلامى والعين فذهب، وهو آخر ما يبقى، والمعروف عند أبي عبيد: بَخَّسَ. ابن زيدون: مَـــا عَلـــــــى ظَنّـــــيَ بَــــاسُ، يَجْــــــرَحُ الدّهْــــــرُ وَيَاسُـــــــو رُبّمــــــا أشْـــــــرَفَ بِالمَــــــــرْ ء، عَلـــــَى الآمَـــــــــالِ، يَـــاسُ وَلَقَــــــدْ يُنْجِيـــــــكَ إغْفَــــــــا لٌ وَيُرْديـــــــكَ احْتِـــــــــــرَاسُ والمحــاذيـــــرُ ســــــــــــــهامٌ؛ والمـقاديـــــــرُ قـيـــــــــــــاسُ ولكـــــمْ أجــــــدَى قعــــــــودٌ؛ ولكــــمْ أكـــــدى التمــــــــاسُ وَكــــــذَا الدّهْــــــــــــرُ إذَا مَـــا عــــــزّ نـــــــاسٌ، ذَلّ نــــــاسُ وبنُــــــو الأيّــــــامِ أخْيَــــــــــــا فٌ: ســـــــَرَاة ٌ وَخِسَـــــــــــاسُ نَلْبَــــسُ الدّنْيَـــــــا، وَلَكـــــــِنْ متــعــــــــة ٌ ذاكَ اللـّبــــــــاسُ أنَــــا حَيْـــــــــرَانُ، وَلِلأمْــــــــرِ وُضُـــــــــــــــوحٌ وَالتِبـــــــــَاسُ كلّهـمْ يســـــألُ عـــــن حالـــــي وَلِلــذّئْــــــــبِ اعْتِسَـــــــــــاسُ إنْ قسَــــــا الدّهـــــرُ فلِلْمَـــــاء مــــنَ الصّخْــــــرِ انبجــــــــاسُ وَلَئنْ أمْسَيْــــــتُ مَحبُوســـــــاً، فَلِلْغَيْـــــــــــثِ احْتِبَــــــــــاسُ يلبُـــــدُ الــــــورْدُ السَّـــــــبَنْتَى، وَلَــــــهُ بَعْــــــدُ افْتِـــــــــــرَاسُ فتأمّــــــلْ! كيـــــفَ يغشَــــــى مقلـــــةَ المجــــــدِ النّعـــــاسُ؟ ويفتّ المســــكُ فـــي التُّــــربِ، فَيُــــــوطـــــــــَا وَيُــــــــدَاسُ؟ وَاغْتَنـــــِمْ صَفْـــــــوَ اللّيَالــــي؛ إنّمـــَا العَيْــــــشُ اخــْتِــــــلاسُ وَعَسَـــــى أنْ يَســــمحَ الدّهـــرُ، فقـــــدْ طــــالَ الشِّـمــــــــاسُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae