قال الأصمعي: خرج الحجاج متصيداً، فوقف على أعرابي يرعى إبلاً وقد انقطع عن أصحابه، فقال: يا أعرابي، كيف سيرة أميركم الحجاج ؟ فقال الأعرابي: غشوم ظلوم لا حياه الله ولا بياه. قال الحجاج: فلو شكوتموه إلى أمير المؤمنين ؟ فقال الأعرابي: هو أظلم منه وأغشم، عليه لعنة الله! قال: فبينا هو كذلك إذ أحاطت به جنوده، فأومأ إلى الأعرابي فأخذ وحمل، فلما صار معهم قال: من هذا؟ قالوا: الأمير الحجاج، فعلم أنه قد أحيط به، فحرك دابته حتى صار بالقرب منه، فناداه: أيها الأمير: قال: ما تشاء يا أعرابي؟ قال: أحب أن يكون السر الذي بيني وبينك مكتوماً؛ فضحك الحجاج وخلى سبيله. وخرج مرة أخرى فلقي رجلاً. فقال: كيف سيرة الحجاج فيكم؟ فشتمه أقبح من شتم الأول حتى أغضبه، فقال: أتدري من أنا؟ قال: ومن عسيت أن تكون؟ قال: أنا الحجاج، قال: أو تدري من أنا؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا مولى بني عامر، أجن في الشهر مرتين هذه إحداهما. فضحك وتركه. وقدم المهدي المدينة، فخرج ليلةً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً ليصلي، فبينما هو كذلك إذ جاء مدني فقام إلى جانبه يصلي، فلما قضى صلاته قال للمدني: أقدم خليفتكم؟ قال: نعم! فعل الله به وفعل وأراحنا منه، وجعل يدعو على المهدي وانصرف؛ فدخل عليه الربيع؛ فقال: يا ربيع؛ جلس إلى جانبي البارحة مدني فما ترك دعاءً إلا ودعا به علي. فقال: أتعرفه؟ قال: نعم، إذا رأيته! ثم ركب المهدي واجتمع أهل المدينة ينظرون، فوقعت عينه على الرجل؛ فقال: يا ربيع؛ ألا ترى الرجل الذي صفته كذا وكذا! هو ذاك صاحبي، فأمر به الربيع فأخذ، فلما رجع المهدي دعا به. فقال: يا هذا، هل أسأت إليك قط؟ قال: لا؛ قال: فهل لك مظلمة تطالبني بها؟ قال: لا، قال: فما دعاؤك علي حين صليت إلى جانبي؟ فقال المدني: فديتك والله! وعتق ما أملك؛ وامرأتي طالق إن لم أكن أغير كنيتي في اليوم مرتين وثلاثاً للملال. فضحك المهدي وأحسن صلته. ابن الرومي: أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى إلي وأغراني برفض المطالبِ فأصبحت في الإثراء أزهد زاهدٍ وإن كنتُ في الإثراء أرغبُ راغبِ حريصاً، جباناً، أشتهي ثم أنتهي بلحظي جنابَ الرزق لحظ المراقبِ ومن راح ذا حرص وجبن فإنه فقير أتاه الفقر من كل جانبِ تنازعني رَغْبٌ ورهب كلاهما قويٌ وأعياني اطّلاع المغايبِ فقدمتُ رجلاً رغبة ً في رغيبة وأخّرت رجلاً رهبة للمعاطبِ أخافُ على نفسي وأرجو مَفازها وأستارُ غيب الله دون العواقبِ Esmaiel.Hasan@alittihad.ae