اسمحوا لي أن أحيي في هذه الجمعة زميلين، كاتبي عمود يطربان صباحي: سمير عطا الله العذب كسلسبيل، وخيري منصور ناحت الصخر، الأول بزاويته المتجددة والعميقة في جريدة الشرق الأوسط اللندنية، خريج جريدة النهار اللبنانية العريقة في مهنتها، رأيته في لندن لماماً، وفي بيروت كنت أشاهده في مقهى”الستي كافيه” والتقيته في الإمارات مراراً، يذكرني هندامه وقامته وحديثه بالسياسيين اللبنانيين القدامى، سليلي العائلات السياسية المتنورة، كلما رأيته تذكرتهم، وتذكرت العراقة، حين تمشي العراقة على قدم، والتهذيب يسبق الخطوات!
في كل صباح، وقبل أن يخرج سمير عطا الله من بيته، وقبل أن يمارس أي نشاط، ولو كان المشي المعتاد، لا يفعل غير القراءة، ولا يخرج إلا بعد أن ينجز عموده اليومي، هذا الذي يثقل كاهله بشرف، ويحمله كصخرة سيزيف، لا يتوانى أن يحارب طواحين الهوى، في لحظة جنون دون كيشوتي، من أجل الكلمة الصادقة والمهذبة، والتي يعتبرها سفيراً طائراً له، يصطحب قراءه في حله وترحاله، لا يتعالى عليهم، ولا يشعرهم بفرقيته عنهم، ولو نزل ضيفاً على رئيس أو تعشى في يخت ملكي، حين يكتب تتطاير كل المدن العربية أمام عينيه، فجريدته الخضراء، يحبها أن تظلل صباح كل العرب في عواصمهم، وعواصم المنفى والاغتراب.
والثاني شاعر صديق، لقائي الأول به، كان في بغداد، حيث تتعامد السماء والأرض خارج قوانينهما الطبيعية، يتوسد الشاعر عضد اللغة، وتندغم السياسة بالالتزام، وبعدها تقاسمت المدن العربية الأخرى خطواتنا وأماسينا، نذهب إليها بجروحنا، وأول ما تصافحها وجوهنا، تغسلنا من همومنا، تعيد ما تبعثر منا في طرق التعب والكد اليومي، نخرج منها، إليها، محملين بأعباء المرحلة، وما يثقل الرؤوس، حين تكون حبلى بالكثير، له عمود يومي”أفق آخر” في جريدة الخليج وعمود في جريدة الدستور الأردنية، وعمود أسبوعي”شاهد إثبات” في القدس اللندنية، كتاباته دائماً لمرسل متخيل، قد يكون هو، خارج تصلب النص، الذي يحب أن يتحرر من أدبيته.
سألته: ماذا يريد منك القراء؟ قال يريدون مني أن أقول أقوالهم، أن أُسمع رأيهم الذي لا يقدر البعض أن ينطق به، ويتلعثم البعض الآخر قبل أن ينطق به، قراؤك المتعلقون بك، لا يغفرون غيابك، ولو كان هذا الغياب قسرياً، لا يتخيلون فنجان قهوتهم يطيب، إلا باحتراق حروفك، وبفكرة جديدة ومخالفة تزاغيهم عند كل صباح.
أكثر ما يخشاه الإسهال عند الكتّاب المستسهلين، والإمساك عند الكتّاب المبدعين.
تحية كريمة لكما، ولصباحكما، ولكل الشغب الجميل الذي تحدثونه فينا، فمخاطبة العقول تحتاج صبر الرجال، وعمر الحكماء، وحكمة الأنبياء، ومخاطبة العاطفة لا تحتاج إلا شق الجيوب، ولطم الخدود، وكسر اليد للشحذ عليها!


amood8@yahoo.com