قصة إنقاذ الفتاة اليابانية من تحرش الفتية المراهقين لم تكن لتمر مرور الكرام، فيبدو أنهم من تلك العصابات التي تمارس نوعاً من الفتوة على الضعفاء، وهو ما حذرتني منه الفتاة وأمها، بل إن الفتاة رغم تحفظ والدتها أصرت على أن أبقى في منزلهما لبعض الوقت خشية أن يعود الفتية بتعزيزات بهدف الانتقام. تصورت نفسي محاطا بتلك العصابة كما في أفلام الأكشن، غير أنني لم أعد أخوض المعارك ولا الحروب، شعرت بنوع من القلق، غير أنه عذر مناسب أيضاً للبقاء برفقة هذه الفتاة التي لابد أن أعترف أنها جميلة بمقاييس الجمال الياباني، عيناها واسعتان مدورتان شعرها منسدل على كتفيها كأنه خيوط حريرية كثيفة، ورشيقة، ولطيفة، وروحها تضفي شيئاً على المكان، هي جاءت من القرية لتعمل في المدينة، كانت تسافر يوميا نحو 300 كلم على متن القطار غير أنه لم يبق من أحد مع والدتها في القرية فقررت أن تحضرها وتعيشان معا في المدينة، وتختصر على نفسها مشقة الترحال يومياً. خشيت أن أقع في الحب، وهممت بالمغادرة رغم توجسي من عواقب الانتقام، توقفت أمام الفتاة، نظرت إلى عينيها، شعرت بالخجل، قالت هل سنراك مرة أخرى؟ قلت ربما، غير أن أمامي معركة لابد أن أخوضها! لا أنكر أن الهواجس كانت تداهمني وأنا في طريق عودتي، غير أنني وجدت عجوزا يسير وحيدا، فسرت معه كنوع من الرفقة لأبعد المخاوف عن النفس، ولأعرف طريق الخروج من هذا المكان الذي اكتشفت أنه بعيد عن مقر إقامتي. كان العجوز لا يعرف الإنجليزية، غير أننا تفاهمنا بالإشارة، واكتشفت لاحقا أنه يعرف بضعة كلمات عربية ذلك أنه كان يعمل في العراق في ثمانينيات القرن الماضي، حاولت أن أفسر له معنى أن العالم صغير. عندما وصلنا إلى مفترق الطرق ودعني العجوز وهو يضحك ولم أعرف السبب، فأكملت المسير في منطقة شبه مقطوعة ربما لا تمر بها لا سيارات الأجرة ولا أي نوع من وسائل المواصلات، فشعرت كمن يعيش على الحافة، خلف الكواليس حيث لا يشعر بك أحد بين المهمشين والمنبوذين، غير أنني في عاصمة أحد أكثر البلدان تقدما وعصرية، إنني في مكان ما من طوكيو! اختفيت في زقاق معتم رغم الهواجس، وخرجت منه إلى فسحة شاسعة، وثمة أضواء براقة تصدر من لافتة إعلانية، اكتشفت أنها تابعة لناد ليلي، دخلت استكشفه وأقضي من تبقى من تلك الليلة الغريبة في أجواء أشد غرابة في ذلك النادي الذي يحمل كل التناقضات التي يمكن أن تتوفر في مجتمع واحد. rahaluae@gmail.com