في الزمن القديم الجميل، كانت البراءة، تسير على قدمين، وكانت الروح العالية، تطير بجناحين، تحلق في فضاء الناس، ترفرف على رؤوسهم، فتمنحهم حب الحياة، والانتماء إلى البساطة، والتلاقي مع الآخر، بأريحية، وشفافية، لا تنغصها حساسية، ولا يعكر صفوها الخوف من المجهول، لأن السماء كانت صافية، والرؤية واضحة، والأقدام ثابتة على الأرض، والعيون تغمض على جفون مستريحة، بلا قلق ولا أرق ولا نزق، ولا ملق.. كان الرجل المعمم، ذو القميص الطويل حتى الركبتين، والسروال الواسع يمر على الأبواب، محملاً بأوزار الدنيا، وأحمالها وأثقالها، ينادي “ليلام.. ليلام” متخففاً من تعبه، بتلحين الصوت، لعل وعسى تخرج إحداهن، لتبتاع من ملابس وأمشاط ومرايا، وألعاب للصغار.
في ذلك الوقت لم تكن مولات، ولا ماركات عالمية تحيط بالشوارع والأمكنة، لجدار برلين، الذي هدم أو سور الصين العظيم الذي لم يزل شامخاً.. كانت الحياة أبسط وكانت النفوس أنقى، وكانت النوايا لا تتعدى طلب الرزق، من قبل الليلام، وقضاء الحاجة من أصحاب الحاجة.. اليوم كل شيء تلوَّن، وتكوَّن وتفنَّن في تغيير شكله، وطعمه، حتى الليلام الذي كان في أبسط صورة، اليوم صارت “ليلامات” يطرقن الأبواب، ويحملن بين أيديهن ما بخس وما حمل من رجس وادران ماذا يجري بعد ذلك، وقد ترتكب أفظع الجرائم بحق أبرياء.
ليلام اليوم لا يقتنع بالرزق الحلال والبسيط، ليلام اليوم يحمل في جعبته، ما ظهر منها وما بطن، وما تحرك بين يديه، وما سكن، تحت العمامة، أو في الحزام المعلق عند الخاصرة.
ليلام اليوم، مفخخة متحركة، تحمل من أدواء الدنيا وبلاويها، ما قد يشكل معضلة اجتماعية، وأخلاقية، تحتاج إلى تدخل سريع من قبل أهل الاختصاص.. ليلام اليوم، لا يريد أن يرتزق بقدر ما يجمح إلى أطماع، ونوايا، أصبحت عبئاً، يشق طريقه إلى نسيج المجتمع، ليجعله طرائق قدداً، وليجعله مجتمعاً ينسلخ من أخلاقه وقيم أهله، الذين ألفوا النقاء والصفاء، والبهاء.. ليلام اليوم، يجول بين الأزقة، باحثاً عن صيد ثمين، أو رخصة جديدة لدخوله إلى بيوت الناس من خلال عقول أبنائهم، ومن خلال إذلال أبنائهم، تحت ضغط الحاجة، إلى ما هو قاتل وفتاك لا يرحم أحداً إن أصابه، ولا يعفي أحداً إن ابتلاه، إنه المخدر اللعين، الذي صار مروجوه يدسونه في كل شيء يستخدمه الإنسان، حتى وصلوا إلى ذروة المكر والخبث، حين فكروا وضعه في فاكهة اليوسفي أفندي “السنطرة”.. ليلام اليوم، اختلفت أشكاله، وأصنافه، وتعددت أهدافه، وتشعَّبت، وتشوَّهت واستعرت نيرانها، وصارت نيراناً حارقة، ماحقة ساحقة.. فيجب أن نحذر ويجب أن نحتاط.

marafea@emi.ae