المطر يسقي الأرض العطشى، يحييها، ينعشها، يغسلها من أوساخ الزمن، ينظفها من خطايا البشر، يزيل عنها الأدران وغبار السنين وتراكمات الأيام، يطفئ قيظها الذي جاء مبكرا، يجلب لها الخير والحظ والسعادة، يجعلها تغني، تشدو بنشيد أزلي كأنه دعاء وتضرع إلى السماء بمزيد من المطر ومن الحب.. أشجار الشارع منفعلة، مبتهجة، منتعشة، تكاد تطير فرحا بالمطر، اشتاقت له بعد غياب طويل، والأزهار متمايلة، متراقصة، منشرحة، متفتحة، تشعر بأنها ترغب في الطيران لتعبر عن فرحتها بالمطر الذي طال انتظاره، والطيور تتقافز هنا وهناك عشقا للمطر، تستكين، تتكور نافخة ريشها، تغرد، تغني، تنتعش، تطير، تحلق في أسراب، تؤدي رقصة جماعية في الهواء الطلق المفعم برائحة المطر.. الأطفال فرحون، يلهون، يمرحون، يضحكون، يركضون فوق برك الماء المتجمعة من بقايا المطر، يرفعون أياديهم إلى السماء طلبا لمزيد من المطر، يستنشقون الهواء النظيف المغسول بماء المطر، والناس تعبر عن فرحتها بالمطر بصمت، وبالدعاء، وبالمباركة لبعضهم البعض وبحمد الله.. كل الكائنات تفرح بالمطر، كلها تغني أنشودة المطر، مطر، مطر، مطر.. وهو يعرف ذلك فلا يأتينا إلا قليلا لأنه عزيز، وكأنه لا يريد أن يمله الناس أو يخشونه، أو يتفادونه، إنه يأتي خفيفا لطيفا كضيف طريف.. المدينة كلها تغني للمطر، تشعر بغبطة وحبور، تشعر بقيمة النعمة، تشكر الله وتحمده، تبتهل إلى السماء لينزل مزيدا من مطر الخير والبركة، ترى كل ما في المدينة يلمع طربا للمطر، المباني اللامعة المغسولة الضاحكة وكأنها تهتز لتجفف نفسها من بقايا المطر، السيارات تعدو بسعادة، بعضها يتمختر بخيلاء على الشارع النظيف الذي استعاد لونه القاتم، بعضها يمشى الهوينا لأنه يحب استنشاق رائحة المطر أو مداعبة رذاذ المطر، تأتي شاحنة متكبرة لا تستشعر جمال الكون ولا جمال المطر، تثير الهلع والرعب بحجمها الكبير، بصوتها المزعج الذي يغطي على غناء الجميع، تعجن المكان بعنفوانها وتطحن غيرها ممن يتجرأ على الاقتراب من مسارها لأن ليس هناك من يستطيع ردعها من صغار السيارات، تتصرف بعنجهية في الطريق، كأنها في حلبة سباق هي الوحيدة التي تستخدمها، وكأن كل تلك السيارات السعيدة المسالمة غير لائقة لمنافستها في الحلبة فتمارس معها إرهاب الأقوياء، أنها تحيل الفرحة حزنا، والسعادة بؤسا، تحول النعمة مصيبة، فتعيث في الشارع تكسيرا وتحطيما لكل ما يقع ضمن محيطها وترتكب حوادث بلا هوادة، بلا رحمة، بلا التزام بالقوانين المرورية، ولا بالسرعات المحددة.. وهذا النوع من السيارات التي تفسد فرحتنا لابد من ردعها بكل قوة وتوقيع أقصى العقوبة على ما ترتكبه من مخالفات، لتكون عبرة لمن يعتبر!. bewaice@gmail.com