اعتقد من استبدل سيارته «السكراب» بأخرى فارهة، أن سعيه وراء كسب الاحترام على الطريق والإشارات وأمام الدكاكين والمحال انتهى، لكنه فوجئ بأن السيارة الفارهة وحدها غير كافية، وأن عليه أن يزينها «برقم مميز» وإلا لن يكون مهماً جداً في الشارع، ولن يكسب الاهتمام. الرقم المرتب ضرورة أخرى مُلحة في عالم المظاهر، يجب أن يحصل عليه صاحبنا بأي ثمن، تراه يقلب موقع إدارة المرور والترخيص باحثاً عن رقم مناسب، لكنه يتراجع، فاللوحات الحمراء القديمة هي الأكثر طلباً لأن الرقم منها يعني «أن العز مخلف عليه»، بينما الفئات الجديدة متاحة لمن يرغب. في مجتمعنا تشيع نظرة تبجيل المظاهر، رقم السيارة المنسق قليل الخانات، لا يقل أهمية عن رقم الهاتف المميز الذي يجب أن يكمل البرستيج، تأتي بعد ذلك مكملات أناقته من قلم فخم لا يمكن أن يحسن به خطه الرديء، وملابس ذات مواصفات ومقاييس ألمانية و»نعال» فاخر يرتديه بالآلاف. مظهر يجر مظاهر يلهب وراءها البعض حتى صارت معتادة وغير غريبة عند البعض ولا يعتقد أي منهم أن هناك أولوية تسبقها، تتأصل لدى الرجال - وبدأت تزحف على عقول الفتيات أيضاً منذ الراتب الأول - فتكون السيارة الفارهة هي أول ما يشتريه بعد الحصول على الوظيفة، ثم تتدرج الاحتياجات إلى رقم هاتف و»بليتة» سيارة وعطور وساعات وملابس وغيرها من الأشياء التي تكون ضرورية لكن كثرتها وسعرها المبالغ فيه يحولها إلى كمالية. يعيش البعض هذا الوضع لسنوات، فلا يوفر لمستقبله شيئاً ولا يستطيع التخلص من ديونه، وعندما يفكر في الزواج يجد جيبه فارغاً فيستجدي البنوك مرة أخرى، وتجده يجاهر في الصحف عن «غلاء المهور» و»ارتفاع تكاليف الزواج». بعد الزواج لا يستطيع الكثير من الشباب التأقلم مع المسؤولية ومتطلباتها، وتكون المظاهر قد تمكنت من عقولهم، فيلاحقونها وينفقون عليها، وفي الغالب يكون ثمن هذه المظاهر من مصروف الزوجة والأبناء، فبعض الرجال يتعاملون مع الإنفاق على الأسرة وكأنه تفضل وكرم، لأن الراتب ينزل في حسابه نهاية كل شهر هو مجهوده الخاص وثمن ساعات عمله ويغفل وجود علاوات تمنحها الدولة في الراتب موجهة لأفراد أسرته من زوجة وصغار. يتصرف بعض الرجال في رواتبهم دون الاكتراث لمتطلبات المحيطين بهم، أما بعض الشبان فيتعاملون مع الموضوع وكأنه تلبية أساسيات الوقت الحاضر لهم، دون النظر إلى الادخار لتوفير احتياجات مستقبلية. للمجتمع ووتيرة الحياة فيه تأثير حقيقي على تأصل الاهتمام بالمظاهر، فطريقة التعامل مع الناس ذوي المظهر العادي تجبرهم على ركوب عجلة الديون واللحاق بذوي المظاهر البراقة، وتغيير تفكير المجتمع إحدى أكبر الصعوبات التي تواجه التشجيع على الادخار في الإمارات.