قبل أن نكتشف “المولات”، وتصل إلى ثقافتنا محلات الألعاب المكيفة، كانت الحدائق – على قلة ألعابها- تغص بنا نحن المواطنين كل جمعة، حدائق أبوظبي التي تعد على أصابع اليد الواحدة تلك الفترة، بأرجوحاتها المتشابهة ونبتة الصبار البلاستيكية العملاقة، ولعبة الأناناسة المظلمة بعد المغرب واللعيبات الأخرى البسيطة كانت تشكل متعة خارقة للصغار الذين يحلمون طوال الأسبوع بيوم إجازتهم الوحيد الجمعة، ليذهبوا إلى الحديقة. حدائق أبوظبي التي كانت تفوح فيها رائحة شواء إخوتنا العرب، والذين كثيرا ما كانوا يهدوننا “سيخ تكة” لمجرد أن حصيرنا بجوار حصيرهم، كانت تلك الحدائق ملأى بالمواطنين، يتجولون فيها ويمرح الصغار حولهم، وربما يعقدون فيها صداقات مع العائلة المجاورة، وحتى الشغالات يتعرفن على بعضهن فيها! تلك الأيام الماضية، صارت ذكرى تعيش فينا، لأن المواطنين وبشكل ما صاروا لا يرتادون الحدائق، قلة منهم تفعل، قلة مازالت تحمل حصيرا ودلة قهوة لتجلس طوال العصر إلى هبوط الليل بين العشب الأخضر مستمتعة بالجو الخاص للحديقة. الذهاب إلى الحديقة لم يعد شيئا مسليا في عرف الكبار، ولا تعتبره معظم النساء “تغيير جو”، تنحّت الحدائق – برغم روعتها وكبر مساحتها- عن دورها في الترويح عن النفس، واحتلت السينما و”المولات” ومراكز “الأكشن” الإلكترونية مكان الحديقة الخضراء في عقول الصغار. منتزه خليفة البهي الجميل يجاهد في جذب الصغار وعائلاتهم، ففعالياته لا تنتهي، وألعابه الكهربائية متجددة، ومسرحه الإغريقي يعرض أفلاما يحبها الصغار، ما يجعله المنتزه الوحيد الذي يؤمه المواطنون تقريبا، أما حدائق أبوظبي الأخرى فالمواطنون فيها قلة، وفي الغالب سترى الصغار وأمهم فقط، لأن معظم الرجال ركنوا مهمة الترويح عن الصغار وارتياد الحدائق كمهمة أمومية خالصة لا دخل لمعظمهم فيها. تبذل بلدية أبوظبي جهودا جبارة في رعاية أكثر من 10 حدائق معروفة في جزيرة أبوظبي، لكن عدد الحدائق الفعلية يزيد عن ثلاثين حديقة مجهزة بألعاب رائعة وأدوات رياضية تساعد علي الاستفادة من الحديقة في ممارسة الرياضات المتنوعة مثل المشي والجري والقفز وتمارين الجسد، وفي هذه الحدائق خدمات تضاهي أفضل الحدائق العالمية، وهي تفتح ذراعيها للجميع لتقدم لهم هواء نظيفا وخضرة ممتدة ومياه رقراقة تريح الناظر إليها وهي تنساب من النوافير.