صباحكم غيم.. صباح يستيقظ من غفوة الليل الممطر، تستحي فيه الشمس أن تشرق على الكون، تراود فيه الأرض السماء عن نفسها، تسأل رب العباد غيثاً، تدعو فيها الجبال إله العالمين، تتوسل فيه الجدات الطيبات إلى الله، لينهمر المطر على القلوب التي أجدبت من فراقه. صباحكم غيمات تتناثر في السماء الواسعة، تتجمهر سراعاً راكضة، يشرق فيها البرق، ويزأر فيها الرعد، ليأتي المطر مندفعاً إلى كل الجهات. صباحكم طفلة تشرق من الذاكرة، يرتفع صوتها المبحوح صارخاً: صبّ يا مطر صبّ بيتنا يديد، صبّ يا مطر صبّ مزرابنا حديد» . صباحكم أم حنون تهدهد صغيراً أفزعه الرعد وخوفه البرق، تغني له: «طاح المطر بيد الله، كسر حوي عبدالله، طاح المطر برعوده، كسر حوي سعوده». صباحكم ممطر بالخير .. صباحكم نفّات تتسارع تصبح مطراً، تقوى وتشتد لتصبح «سيلاً»، وشيخ كبير يمسك يد حفيده ليقول: «كنّا نسميه (طشّ ورِشّ) ونقول يا مرحباً بالطشّ والرشّ، ويوم ايزيد نسميه «سيل»، تسيل به الوديان يا ولديّه، ويوم يصبّ المطر نبارك للناس نقول: مبارك عليكم الرحمة، ويردون علينا: عساها نعمة بادّة». هذا المطر، الذي يأتي بعد انقطاع، يسيل على أرصفة القلوب وينعش جدب الأرض، يأتي زائراً من تراثنا الجميل، تستيقظ معه عباراتنا المباركة، ويكثر فيه الدعاء بيقين أن أبواب السماء مفتوحة. هذا المطر، الذي كان الناس يخشون اشتداده، لأنه يسّيل الوديان، التي يسكنون بجوارها، فيكون الخوف الأشد أن يجرف بيوتهم السعفية أو حيواناتهم الأليفة، هذا المطر، الذي تنتظره الدنيا لأنه يحول الأرض اليباب إلى بساط أخضر بديع. المطر، الذي يزور الإمارات كضيف سريع، يخرج الأشياء من حنايا الذاكرة والأرض، هو ينبت الفقع والحميض والخبّير، والطرثوث، والعرايين، وكل ما تجود به الأرض من نباتات صغيرة صالحة للأكل. يخرج المطر أيضاً حشرة مخملية حمراء بهية، عنكبوت صغيرة، لكنها كانت بديعة، قياساً للمخلوقات ذات الألوان الرملية، التي عرفها الناس في زمن ما قبل البترول، اسمها «بنت المطر»، فحضرت في قصائدهم وأشعارهم، رأوا فيها فتاة حيّيّة، تأتي وتذهب مع الوسمي. ها هو المطر يعود، لتفرح به القلوب، وترتفع بانهماره الأكفّ إلى السماء، وتحلو على صوته جلسات المساء، وصوت بعيد في الذاكرة يردد: «طاح المطر ع الخيمة، كسر حوي افطيمة، طاح المطر من فوق، كسر حوي بن طوق»!!