ذاهباً لعناق الشمس. موقناً أن مسكنه في النور البعيد، كل خطوة باتجاه البياض هي خطوة باتجاه الحقيقة، والأغرب أن العميان لا يرونها رغم انتشار شعاعها في الآفاق ووضوحها الجلي. ولكن لا يهم ذلك ما دامت الرغبة في الاكتشاف تتأجج في أعماقه، ولذّة ترويض الأسئلة تزداد مع تقدمه في العمر. إنه الحكيم الذي يبدأ رحلته كل يوم مع أول خيط أبيض في الفجر، حاملاً القليل من الكلأ، والكثير من الأمل في معرفة أسرار الحياة. وفي كل مرة، حين يظن أن الطريق وصلت إلى نهايتها، يبزغ من العدم طريق جديد، ويبدأ معه زمن جديد وأسئلة جديدة. ولسوف يدرك الحكيم، حين يصل إلى نهاية العمر، أن المشي في طريق الشمس، والسعي لمعانقة الصفاء الأول للوجود، يحتاجان عملاً دؤوباً وقاهراً لا يقوى عليه سوى المتأملون العظام، أولئك الذين يغمضون عيونهم كي يروا الجانب الخفي من الوجود، والذين يذهبون إلى الصمت من أجل سماع موسيقى الكون الصافي. ويمدون أيديهم في الفراغ للمس هالة الحقيقة. وقد يتذوقون النور بألسنتهم حين يقبّلون مرايا الشمس التي لا تعكس إلا من صدقت قلوبهم، وكانت أرواحهم حرة، وكانت كلماتهم بعيدة عن النمّ حتى لو ارتفعت فوقهم غيمة الهمّ. في الطفولة، كل الناس كانوا حكماء، يتشقلبون على حبال الخوف ويبتسمون للشمس حين تشرق وحين تغيب. وكانت النجمة سؤالاً موغلاً في سره ولا يمكن الإجابة عنه. ولكن حين يكبر البشر، تتغير في عيونهم الأشياء، وتتبدل في عقولهم الأسماء والكلمات. النجمة البعيدة تتحول إلى علامة فأل وقد يسمونها اسماً، وقد يولد النقيضان من كلمتين على الورق لا وجود لهما في الحقيقة. ولكن سيظل الصغار يضحكون على فكرة الحياة، وسيظل الكبار مشدوهين أمام لغزها العظيم. ذاهباً في الدروب الوعرة، تجرحه الشوكة، ويطعنه المتربصون بخناجر الخوف، لكنها لا يبالي ما دام في القلب نبض وفي الحياة رمق. رافعاً الوردة ممدودة ضد العناد، ضد من ينادون باسم الفراغ ويشعلون الدخان لكي يتخاصم الناس ويقتتلون. لكن العاشق ولد ليفضح فكرة الخوف، وليقتلع الأكمام من أفواه الشعراء الذين منعت قصائدهم من الوصول إلى القلوب الحائرة، تلك القصائد التي تكون فيها الوردة رمزاً نورانياً لمعاني الحب العظيم، الحب الذي يجرف من يقعون في نهره إلى مصب الخلاص من الرتابة والانتظار واليأس. في الطريق إلى مصالحة نفسه، يصل الحكيم إلى حافة العمر، واقفاً على جبل الوجود يطالع في الجهات، فيراها جهة واحدة هي قلبه، ويطالع في المتناقضات، فيراها أنها تتحد لكي يكتمل بها مشهد الحياة. وقبل أن يقفز إلى حتفه في نعيم الخلاص، يطالع الحكيم، للمرة الأخيرة، في مرآة الشمس، فيرى النور يولد من النور، والعتمة تتلاشى، لكنها لا تزول. ومن المسافة المعدومة بينهما تولد الحيرة، ومن الحيرة يولد السؤال الذي لا يجيب عنه أحد. من يرقص رقصة الحياة سوى النار من يحمل الوردة سوى المخطوف في قلبه ومن يرى وجهك في الشمس سواي.. akhozam@yahoo.com