المجمع الثقافي خلية من خلايا الروح، ومشهد من صروح التألق، تطوف في الردهات فيأخذك البخور على جناح طائر يغرد عند زاوية ساخنة بحراك الساعين الى التقاط صورة من مخمل الماضي التليد، وأنت لا المعنى بالأريج والشيء البهيج، والنهار الساكن عند رائحة الطيب، ولغة الموسيقى الحالمة بغدِ هذا المنجز الحضاري، المسالمة الى حد الإبهار· السائحون كثر، السابحون في ملكوت المشهد بوداعة المستسلمين لجمال الروح، وسكينة الجدران، المحتضنة لكل هذا الدأب والحدب، والجذب، وأنت في هذا التطواف في العمق، وعند الحواف تشعر برغبة كامنة تدفعك لأن تتحدث مع الصور المعقودة على الجدران، كعقد نضيد قبل أن تتلمظ ريق الكلمات مع آخر يقرأ ملامح وجهك، ويأخذ صورة تذكارية لا تدري الى أين ستتجه هذه الصورة، وكم من البلاد ستلف، وعند أي محطة ستقف··· السائحون يلوبون المكان ويجولون الردهات، والابتسامة على الوجوه تفرش أجنحة الحبور والسرور، وأنت لا تملك إلا هذا القلب وعدد نبضاته التي تحصي الخطوات والكلمات، وضحكات تبدو كأنها الهديل في الصباح الجليل، والوقت يمضي بك، وتمضي بك الفكرة والعبرة، والعاملون هنا منهمكون في سرد الحكاية، يشذبون ويهذبون ويخصبون الفكرة بنبرة، والصوت لا يبدد إلا همسه، والخطوات لمسه، والطريق الى آخر النهار فنجان قهوة عربية، مفوحة منفوحة برائحة الوطن الجميل، والفعل النبيل، والعطاء الأصيل· تخرج من آخر ردهة، يلفحك الهواء وقد كنت محملاً بالهوى، وما بين شعاب القلب وخضاب الدرب تكون قد أينعت في صدرك قيم وشيم، احتدمت الروح بما اشتاقت إليه، وتاقت من فعل ثقافي، حضاري يرسم للعاصمة أبوظبي خريطة على طريق التفرد دون سواها من عواصم الدنيا·· خطوة تتلوها خطوة، ومنجز يتبعه منجز، والعطاء مستمر بلا كلل، والمتمرسون عند خندق البذل ينسجون خيوط الجهد، متسلحين بالعزيمة والوليمة، ثقافة وطن، منحت صوتها للفضاء ومدت يدها للكون الفسيح بلغة لا تصنف ولا تشنف، تمتد كامتداد الماء على سواحل الوطن، واستراحة الصحراء على متونه وأتونه· والمتتبع لهذا المنهل يعرف أن السفينة تسير بشراعين، شراع القناعة بأهمية الثقافة ومحوريتها في البناء، وشراع المناعة من أي زيف أو حيف·· وهذا ما يجعلنا نضع الآمال على قمم الجبال، ورؤوس الأغصان، وعند شفة موجة غارقة من بحر ما امتهن أصحابه إلا الصيد والغوص والسفر باتجاه محيطات أوسع وأرحب· هذا الحب الأزلي أنجب عشاقاً وأحداقاً لا تغمض الجفون ولا ترهقها السنون عن السير قدماً نحو غايات ناصعة ساطعة·