مالذي يفسرنا نحن البشر ؟؟من يدرك خفايانا الموغلة منذ الجنين إلى اكتمال الهيئة التي نولد عليها لتميزنا عن بعضنا؟ من يملك قدرة التقاط مسيرة حياتنا عبر ثوانيها وتراكم احداثها؟ ظني ان لا احد، حتى علماء النفس أولئك الذين انطلقوا من تأمل ذاتي ومنطق خاص ورأي اسندوه الى هذا وذاك من المرجعيات والاسباب··اولئك العلماء لا يجزم احد على انهم مصيبون دوما في تفسير حال من الاحوال التي يكون عليها الانسان في لحظة ما·· إذ ان كل حال راهن يرتبط بما قبله ليشكل لغزا محيرا لا يسبر كنهه ولا غايته··ليخضع الى تفسيرين جرى تداولهما حد الاعتراف الجازم بهما التفسيران يقولان بالعقل والقلب : بالعقل حين يكون الأمر متعلقا بتصرف مادي حسي كتخطيط وتنظيم وبناء مشروع له تصاميمه وموازينه وله حساباته المسبقة ونتائجه المؤكدة الاحتمال كجدول حسابي يؤدي نتيجة واضحة في حال الطرح والجمع والضرب والقسمة··السلوك الإنساني حين يسير بهذه المتوالية يطلق على صاحبه صفة عاقل او انسان عقلاني ،وتعني انه لا يخضع للمشاعر او يستعصي على المشاعر ولوج هذا الضبط وخلخلته وحرف مساراته المسبقة الصنع· كما يوصف بالحكمة والحكيم أي قاطع في رأيه وحاسم في الاستدلال، كما يوصف بالواقعية أي انه يخضع منطقه لمنطق الواقع الذي يتراتب وينبني على الوقائع الملموسة والمرئية والواضحة·· الصارمة و الحاسمة · وبمثل هذا المنطق العقلاني توصف الحروب ايضا رغم انها في النتائج لا تتصف بأكثر من الوحشية وانتهاك حق الحياة· اما صفة القلب التي تعبر عنها المشاعر كسلوك لا يستبق النتائج ولا يخضعها لاحتمالات افتراضية، فإن صاحبها يحظى بأوصاف لا تضمر المديح باية حال وقد تضمر السخرية المبطنة، وشبه اقرار بأنها زائلة وانها أنية انتجتها حالة انفعالية طارئة او حاجة خفية مبطنة غالبا -في الرأي العام- تتسم بالخديعة والمكر وترتدي قبعة البراءة والطيبة وفق قدرة الذكاء التي يتسم بها الفرد حين يكون في حال كهذه الحب مثلا يفسر بمرجعية القلب ·والقلب في حال كهذه يكون أعمى دائما لأن صاحبه يفتقد الى البصيرة إذ يغشى عليه حين ينبهر بظاهر المحبوب ويعجز عن استبطان خفاياه وخفايا المحبوب معا· هكذا ليس ثمة تفسير حاسم لحال الحب والمحب وسببا له· والمقصود بالسبب، ما يخضع لتفسير العقل والمنطق الاستدلالي· فأي سبب لحب هذا الرجل لتلك المرأة او حب المرأة لذاك الرجل· وحين تكف التكهنات والسبر والتعليل يحال الحكم الى القلب ( الأعمى) بقياس العقلانية العتيدة· لكن التسليم بهذا المنطق (عمى القلب) او عدم التسليم به يفترض تحليلا علميا أكثر منه منطقي دارج جرى التسليم به دون تبصر واكتناه، ودون مرجعية تحتكم الى قدرة الدماغ البشري (كعقل) يتعقل قبل ان ندرك ويبصر قبل ان نرى ويكتنه قبل ان نفسر ونستبطن، ثم يبث اشاراته الخفية لنستشعرها في خفق او وله او توق للقاء يبلغ حد الاكتناز والعطاء والتضحية والإيثار دون تعليل وتسبيب وحسابات تسبق او تفترض· فهل يكون الحب بهذا المعنى هو استجابة لأمر العقل والتقاط لإشاراته الخفية