مشروع القراءة ثقافة وسلوك، الذي أطلقته وزارة التربية يعتبر من المشاريع الرائدة وذات الفائدة لدى طلبة الثانوي كونه يقدم للطالب مساحة من التحرك والحوار والانطلاق بأريحية بعيداً عن المحاضرات المغلقة والتلقين المغلق بسطوة الحفظ والتكرار والاجترار وإعادة تصدير المعلومات وإعادة ترتيب المعلومات حسب الحروف الأبجدية دون تدخل أو تواصل أو استخدام المعادلة بين العقل البشري وقدراته على التحليل والتفسير والتدبير وتنوير الفكرة عمرانها وتشييد بنيانها وإقامة أركانها· طلابنا بحاجة ماسة إلى المناقشة وسماع الرأي والرأي المضاد والخروج من توابيت الفكرة المحنطة والولوج في محيط الإدراك واستدراك ما يحيط بالإنسان من أسئلة وعلامات استفهام وإدغام وإبهام فلا يستطيع الطالب أن يعيش في سلام مع نفسه ووئام مع الآخر إذا لم يتمكن من التحرر من المثلجات والمعلبات والأحفوريات والطلاسم والغمائم، لا يستطيع أن يكون شخصية متكاملة، متكافئة مع الواقع في ظل ظروف التسليم بالتخمين والخنوع للتضمين والوقوع في دائرة المسلمات والبدهيات التي لا تقبل التأمل والتزمل برداء الحلم بعلم يفتح الدائرة المغلقة ويكسر حاجز الفوبيا ويحطم الجدران العالية· طلابنا بحاجة إلى كتاب مفتوح يمنح العقل بداية القراءة وأول الكتابة، طلابنا بحاجة إلى فهم أنفسهم قبل أن يفهموا العالم وبحاجة إلى من يفهمهم ويقدر إمكانياتهم وحاجاتهم العقلية والنفسية ليتمكنوا من دخول الدائرة العالمية بكل ثقة واتزان ورصانة وحصانة ومتانة· فالطالب الخائف لا يمكن أن يبدع والطالب المرتجف لا يمكن أن يثبت أقدامه على رقعة المعرفة الإنسانية، وطلابنا على مدى أزمنة طويلة يتوارثون الخوف وعدم القدرة على المواجهة والاقتحام بفعل تراكمات ثقافية أججت اللاءات وراكمتها وزاحمتها، وضخمتها ودرقتها حتى أصبحت كتلاً من الجحيم، المانع القابع في الصميم وهناك شرخ اجتماعي تتسع دائرته وتتوسع فجوته بفعل ضربات الهدم منذ القدم يجعل من العسير على الطالب أن يتحرك بحرية بعيداً عن الأصفاد وعقد الاحتواء والانضواء تحت مظلة اللاءات الكبرى·· إذاً لابد أن نفكر، وأتصور أن مشروع القراءة ثقافة وسلوك يأتي الخطوة الأولى لتجاوز عقبات المنع وكبح الجماح وتفتح الجراح، مشروع يؤسس لخطوات أكثر نجاحاً إذا ما أخذ بجدية وصدق واعتمد كوسيلة من وسائل تحرير العقل وتخليص النفس من براثن ومخازن تراكم عليها الغبار وأصبحت كتلاً لابد من تفكيكها وإزالة الصدأ عنها، وإحياء ذلك الداخل المكبوت وإطلاق قدراته الهائلة ليستمر الإبداع صحيحاً معافى من عواهن وشواهد زمن لا يمكن أن يكون صالحاً لكل المراحل والظروف·· ونحن إذ ندخل عصر الفضاءات المفتوحة لابد وأن نفتح النوافذ المغلقة لنتنفس هواءً ثقافياً طلقاً ولنمو العقول بشكل طبيعي بلا سقوف ولا حقوف ولا صفوف من اللاءات الناهيات الجاريات في العروق مجرى الدم في الشريان·· نحن بحاجة إلى هذا المشروع ليشرع طلابنا في البحث والدرس والنأي عن الخطابات الإنشائية والإجابات الجاهزة