ما إن بدأت حركة السينما في أميركا، واكتملت عناصرها الفنية والتقنية حتى أصبحت صناعة عظيمة تخدم الثقافة والاقتصاد وتؤثر بشكل أو بآخر في السياسة واتجاه الرأي العام، وغدت صناعة السينما في هوليود اليوم الأولى في العالم، بعد أن تأخر إنتاج السينما الروسية، وبقي يمجد الفكر الحزبي، وغابت الواقعية الروسية الجميلة، وتخلّت السينما الفرنسية عن الفكر والثقافة الراقية والرومانسية التي نفتقدها، والموجة الجديدة، وانغمست السينما الإنجليزية في الرتابة والملل، وبقيت السينما الهندية تدور في قصصها المليئة بالدموع والأغاني والضحك على الفقير، والطيران التخيلي بالمسكين، أما السينما العربية فتشبه تلك التفاحة المرمية في الشمس، لا لون، ولا عافية، ولا تسلم من رائحة عفنها، وهنا نحن نتحدث عن السينما كصناعة قائمة، ومؤثرة بطريقة إيجابية، مكتملة الشروط التقنية، والمواصفات الفنية، أمّا التجارب السينمائية فتحدث هنا وهناك، بسبب أولئك العشاق المجانين مثل: ساورا الإسباني، أو كيري ساوا الياباني، أو ستاجيت راي البنغالي، أو يوسف شاهين المصري، وغيرهم من المخرجين العرب أو من أميركا اللاتينية أو أفريقيا· حديث اليوم نعرّج فيه على قضية أخرى تهمّنا نحن كعرب، بقدر ما يهمّنا متابعة السينما الهوليودية، والإعجاب بها في منتجها الخاص بالأطفال أو الشباب أو حتى أفلام التسلية· لقد استطاعت السينما في هوليود أن تخلق صورة نمطيّة للشخصية العربية لم تخرج منها منذ عام 1896 وحتى عامنا هذا، فقط تتحرّك هذه الشخصية العربية في نمطيّة الدور أي في محور الشر، فالعربي إما زير نساء تلك الشخصية المستوحاة من ألف ليلة وليلة، أو بائع رقيق، أو هو البدوي الجلف الذي يتصرّف بوحشيّة أمام كل الأشياء، أو هو السمين المنتفخ الأوداج، والمتكرّش، القاعد على برميل نفط، وبجنبه جمله رفيق دربه، وحين يزيدونها يضعون في المشهد سيارة رولز رويس· اليوم تحرّك هذا المشهد إلى شرّ جديد وهو الإرهاب، وقتل الأبرياء، وتفجيرات المباني العامة، ومحاولة الحصول على أسلحة تدمّر العالم المتحضّر، يشاركنا في هذه الأدوار شعوب ما تبقى من جمهوريات كتلة أوروبا الشرقية، وبالذات المسلمة منها، بحيث لا يمر عام دون أن أشاهد ما يزيد عن الثلاثين فيلماً تتناول تلك النظرة النمطية المكرسة· صناعة السينما في هوليود ليست غبية، فصنّاع القرار كثيراً ما يوجهونها نحو إنتاج أفلام وقصص بعينها لخلق التأثير، وجس النبض، ومحاولة قراءة رجع الصدى، وأحياناً تعمل على تحجيم الطرف الآخر، وتهميشه، والسخريّة من جهله، في مقابل أن ترفع من الآخر، أو من رامبو، وتجعله قاهر العالم، أو تنفخ في عضلات جندي المارينز، أو تظهر البطولات الوهمية في فيتنام، وهو ما يعرف بمصطلح سينما الكراهية، وقد أنتجت أفلاماً من هذه النوعية ضد شعوب كثيرة منها: الاتحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة، أو اليابان بعد هزيمتها في الحرب، أو ألمانيا بعد ضياع الحلم الهتلري، أو دول أميركا اللاتينية، حيث الفساد والعسكر وكارتيلات المخدرات· أما ما يخص الشخصية العربية أو المكان العربي أو المقدس العربي والإسلامي فقد أنتجت هوليود منذ نشأتها وحتى الآن أكثر من 900 فيلم أميركي، تناولت العرب والمسلمين بصورهم النمطيّة، حتى عكف باحث يدعى جاك شاهين، وهو أميركي من أصل عربي، على دراسة وتحليل ظاهرة العرب في عيون السينما الهوليودية، وقد سبقه إلى ذلك كثيرون، لكن كتابه المعنون بـ''العرب قوم سوء·· كيف استطاعت هوليود تشويه أمّة''؟ يعتبر من أكثر الكتب قيمة؛ لأنه حصيلة بحـث وتقـص استمرا طيلة 20 عاماً