صباح أمس الجمعة، كتبت على صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” هذه التغريدة: “إن سوء اختيار بعض الأشخاص في حياتنا خطأ ندفع ثمنه اليوم، أما إصرارنا على الاستمرار معهم فخطيئة سندفع ثمنها طوال العمر!”، وأخرى تقول “لا تضحك فالضحك يميت القلب، لا تلعب فاللعب يذهب هيبتك، لا تفرح فوراءك حساب وآخرة، ومقولات أخرى جزء من قراءة مشوهة للدين، وسبب لثقافة النكد المنتشرة!”، وفي دقائق تحولت هاتان التغريدتان إلى أكثر التغريدات المنقولة حسب موقع يرصد التغريدات الإماراتية الأكثر تداولاً، والقضية ليست في الأكثر والأفضل، ولكن في مضمون العبارة، وما شكلته لهؤلاء الذين تناقلوها، وهم مغردون على جانب من الثقافة والمكانة والوعي.
إن الإحباطات التي تواجهنا في الحياة كثيرة وتمثل عموداً فقرياً في إشكالنا النفسي والاجتماعي، وقاسماً مشتركاً بين الناس حتى أنك تظن أحياناً أن الناس لم تتفق على شيء قدر اتفاقها على أن الحياة مليئة بالخيبات وبالذين يخيبون الأمل في أشد الأوقات صعوبة، كل الخيبات تأتي على غير انتظار فلا أحد ينتظر أو يتوقع أن يخيب ظنه في أخيه أو صديقه أو جاره، وعلى الرغم من أنها تأتي في الوقت الخطأ، إلا أننا، مدفوعون، بحالة الانتصار للذات نقول: الحمدلله على أننا اكتشفنا ذلك قبل فوات الأوان، مع أن الأوان قد فات فعلاً!!
لقد أدهشني هذا التناقل السريع والتسابق على التعليق بالموافقة على التغريدة الأولى، وكأننا أمام استفتاء مشاعر علني، ليس شرطاً أن كل من تناقل التغريدة محبط أو صاحب مشروع خيبة سابق أو في الطريق، لكن ربما يكون أحد شهود العيان على التجربة أو موافقاً على مبدأ الحذر والإسراع في إصلاح الخطأ قبل أن يتراكم ليصير خطايا، لست محبطة لكنني أجد أن التسامح في بعض المواقف يدخل في دائرة الغباء الذي يضطر صاحبه لأن يدفع ثمنه مدى الحياة!
في تاريخنا تراث هائل وتركة لا قبل لنا بالموافقة عليها إلى الأبد حول “الحب الأعمى”، الذي يجعل صاحبه يغض الطرف عن زلات من يحب، ومن يحب قد يكون ولداً أو أخاً أو صديقاً، فالحب الذي يعمي ويصم يتحول إلى مدخل واسع للاستغلال، وهنا لزم التحذير من حالة الاستلاب الغبية، التي بدل الاعتراف بفداحتها يذهب بعضنا إلى تفسيرها بأنها من أعمال السحر والجن، والحقيقة أننا لا ننفي السحر لكن من الخيبة أن نعرض حياتنا من أول الغباء إلى آخر الاستسلام للسحر ومشتقاته.
بالنسبة للضحك وثقافة النكد والكآبة، هناك تيار فكري في حياتنا العربية عموماً يقرأ النص الديني مجتزأً من سياقه وكليته، وهذا ما دفع البعض للاعتراض على التغريدة على أساس أنها تتعارض مع الحديث النبوي الناهي عن “كثرة الضحك”، وعليه، فإن القراءة الخاطئة للحديث تجعل الدين الإسلامي العظيم وكأنه في الصف المضاد للحياة والفرح، وهذا غير صحيح بالمطلق، حيث ديننا دين بهجة وتفاؤل وحسن ظن، وإنما نهى نبينا الكريم عن “كثرة الضحك” التي تذهب الهيبة وتدخل الإنسان في الوقاحة والسماجة وقلة التهذيب.
إن ذلك يشبه من يطلق الفتاوى الشاذة والمنحرفة التي تحدث عنها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف منذ عدة أيام.


ayya-222@hotmail.com