سمكة السلمون التي تخسر بوصلة الاتجاه، تفقد القدرة على الوصول إلى قمة الشلال، فتنزلق في القاع، لتصبح فريسة للمفترسات. هكذا هي قطر، ربما خيل لقادتها أنهم قادرون على الجنوح ضد التيار، بإيعاز من ذوي الأيديولوجيات الضخمة، وربما، أصبحت «الأنا» لديهم متورمة بفعل الغاز النافخ في عروق أجندتهم، وربما يكون لعقدة النقص علاقة بهذه المكابرة والمفاخرة والمتاجرة والمغامرة. الأمر سيان، فإن الدوحة غارقة حتى الأذنين في هلوسات ما قبل النوم، وهي ذاهبة في الخيال حتى آخر نفس، لأنَّ العقدة كبيرة، والتوهم أكبر، والتجهم بلغ مداه، والتاريخ يعطينا من الأمثلة على هذا التورم الذاتي. هتلر، وموسوليني، وبول بوت في كمبوديا، ذهبت على أيديهم ملايين الأرواح، لأنهم فكروا بالنقيض، ولأنهم وقعوا في فخ أحلام اليقظة، ولأنهم أطاحت بهم النفس الشريرة، واعتقدوا أنهم يمتلكون الحقيقة، وغيرهم لا يملك شيئاً. هكذا هي قطر اليوم، تخيل قادتها أن خروجها عن الإجماع، يمنحها القوة والتميز، فتميزت للشر ظناً من قادتها أنها عندما تحيك الشر للآخرين، تستطيع أن تنمو وتصير لها أجنحة النسور، ونسيت الدوحة أن النسور هي هكذا، ولدت كبيرة ولم تقترض من الجبال العالية شموخاً، ولا من الغابات الكثيفة سيقاناً. الأحلام من الممكن أن تأخذك إلى السماء، ولكن عندما تكون في الواقع لا تجد غير السراب. الدوحة ظامئة إلى «الفوق»، لكن هذا الفوق يحتاج إلى مقومات واقعية، لا إلى فذلكات عزمي بشارة، ولو كان بوسعه أن يفعل شيئاً، لقدم ما يفيد لشعبه الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال، ولكن كيف؟ فاقد الشيء لا يعطيه. أما الضلع الآخر للمهزلة التاريخية، فهو القرضاوي، والحقيقة أن هذا الرجل، ومنذ صغري، عندما كان يهذي على شاشة تلفزيون قطر، أيام الأسود والأبيض، وأيام ما كانت الدوحة بريئة، مثل سمائها وأرضها، كنت أمتعض من هذا الرجل، وكان يخيل لي أنه كائن جنسي، لأن أحاديثه لا تخرج عن كونها تصب في خانة العلاقة بين الرجل والمرأة، وما تتضمنه هذه الأحاديث من كلمات ظاهرها ديني، وباطنها جنسي. إذاً ماذا نرتجي من بلد وقع في براثن رجلين، كلاهما غارق في الذاتية، وما أدراك ما الذاتية، وما الذي تؤدي به حينما تفترس الإنسان، ويصبح عبداً لها. فلا يفتي بقتل الأبرياء إلى من انغمس في الأنانية، لأنها تعميه عن رؤية الحقائق، ويتلاشى في عينيه الآخر، ولا يرى فيه غير الرجس والبخس.