استتباعاً لحديث التوطين والإحلال والقوانين التي نتمنى أن تسود في بيئة العمل، فإن للمؤهلات دورا بارزا في هذا الحديث، لكن هل تكون المؤهلات العلمية هي الفيصل والحكم دائماً في بيئات العمل؟ إنه من الطبيعي أن تتشابه مؤهلات موظف مع موظف ثان، لكن لماذا تتفوق مؤهلات الثاني أحياناً؟ في بيئة القوانين الرخوة يحدث هذا الأمر، خاصة حين ترتكز المؤهلات على مسألة الرضا والنفاق المؤسسي للمدير ولغير المدير، هنا يصبح النفاق مقياساً للقرب من أصحاب القرار، وتصبح المجاهرة بالرأي وعدم الموافقة على التجاوزات طريقاً للغضب والتهميش والتجميد وغير ذلك!! هذه هي ذهنية المزارع والإقطاعية على طريقة مزرعة جورج اورويل الشهيرة!! لماذا تقف هذه العقليات ضد سياسات وبرامج وطنية حساسة مثل التوطين والإحلال ومنح المواطن فرص التواجد في وظائف القرار المهم قبل غيره؟ إنها بلاشك قاعدة تضارب المصالح التي تحدثنا عنها مراراً، فحين تتضارب المصلحة العامة ومصلحة المؤسسة مع المصالح الخاصة والضيقة يفضل أصحاب ذهنية المزرعة مصالحهم الخاصة بلاشك، ويعتقد كثيرون أن سياسات وبرامج التوطين تعرقل مصالحهم بشكل أو بآخر· إنه في الوقت الذي يقرب فيه الموظف المتملق ولا يدقق كثيراً في الشهادات التي يقدمها والتي سيكتشف بعد فوات الأوان أنها ليست سوى أوراق مزورة، فإن بعض الموظفين المواطنين الذين يتمتعون بالكثير من التميز والتفوق والحرص والذين أنفقت عليهم الدولة ملايين الدراهم ليحظوا بالعلم والمعرفة التي هم عليها عبر شهادات عليا ومؤهلات حرفية، يجدون أنفسهم وبمجرد رفع أصواتهم بالنقد والاعتراض على بعض التجاوزات مهمشين ومحجمين ومحرومين من الترقيات والعلاوات والمهمات والمؤتمرات والاجتماعات الهامة لأنه تم تصنيفهم كأشخاص مشاكسين وخطرين وغير مرغوب فيهم داخل المؤسسة، وهنا فإنه إذا لم تسعف ثغرات القانون المدير كي يخرجهم من المؤسسة فإنه غالباً مايدفعهم للخروج بإرادتهم بعد أن يتم التضييق عليهم بأشكال مختلفة· إنه في الوقت الذي توفر فيه القوانين تلك المظلة الضرورية من العدالة والشعور بالانسجام بين أبناء المؤسسة وتكريس الانتماء لمنجزاتها وخططها في المجتمع، نجد أن البيئة الرخوة المفتقرة للقوانين والمحتكمة لذهنية المزرعة لا تفعل شيئاً سوى تعميق الشعور بعدم الأمان والاستقرار والعزلة بل وأكثر من ذلك حين يقع الموظف المهمش فريسة الإحساس بالشك في قدراته وعدم الاحترام تجاه ذاته، ما يجعله مندفعاً نحو الاستقالة هروباً من كل ذلك وهذا ما يسعى إليه أصحاب ذلك الأسلوب الإداري المنتمي لذهنية القرون الوسطى· إن ما يجعل البعض يتردد في الهروب ويقبل ما هو مفروض عليه هو الالتزامات الأسرية والمادية أحياناً، لقد عقدنا آمالاً عريضة على قانون الخدمة المدنية الجديد· والحق يقال فإن فيه الكثير من المرونة والإيجابيات التي لاتنكر، لكن وبالمقابل فلقد أعطى القانون صلاحيات مطلقة للوزير ما قد يؤدي لإساءة استخدامها أي حيث بإمكان أي وزير أن ينهي خدمات أي موظف أو يحرمه من الترقية والمكافأة إذا كان لاينسجم مع مزاجه أو مزاج مسؤول مقرب كبير آخر من المقربين· ayya-222@hotmail.com