البحر يسكنهم، يجعل أيامهم أمواجاً تتعاقب على شاطئ العمر، جميلة هذه الجباه السُّمر التي تعيد للبحر حكاية السندباد. كل مساء يجتمع رجال البحر ليتحدثوا عن المراكب والأشرعة، يقبضون على حبل الذاكرة ويعيدون للأيام أمجاداً مستمرة.. القوارب تنام بأمان على السيف وأعداد من هؤلاء الرجال تنسج للريح أشرعة بيضاء مثل أعماق صدورهم؛ بين فترة وأخرى أطوف بهم لأستمد رائحة الماضي وعبق البحر.. فيا طائر الماء، تعال بريح الشمال لتنعش خاصرة الأشرعة.. نحن أبناء هؤلاء الرجال الذين رسموا طريقاً فوق الماء وحددوا للبحر مساره. يتحدثون حتى ينغمس النهار في المساء ونحن لنشيدهم الداخلي. على الساحل كنت أراقب حركاتهم، حماسهم للسباق واستعدادهم للموسم القادم، فهذا الإصرار والتحدي الذي لا يعرف الهوان والهزيمة هو المثل الذي يجب أن نتعلمه ونسير عليه. قالوا: نعترف بالفوز والخسارة، سوف نبدّل الشراع والأجزاء الخاصة بالقارب حتى نستطيع أن نتخطى كل القوارب. وبهمة يتعاون الجميع في التحضير للسباق القادم، الكل سعيد بأن يُعاد للماضي سيرته.. لم يبق لهؤلاء البحّارة الآن بعد العمر الطويل إلا هذا البحر الجميل. ما أجمل أن تستمر هذه المسابقات التي تشعرك بأنك رجل قابض على التاريخ وتبعث في أيام أهلك من رجال البحر الحياة والإشراق، وتمدك بذاكرة سوف تحملها بدورك إلى الأجيال القادمة إن شاء الله. جميلة هذه الأشرعة البيضاء وهي تعانق الريح، والبحر الأزرق بمداه البديع.. لقد لاحظت أن الجميع يتفاعلون مع هذا النوع من سباقات القوارب الخشبية الشراعية، كجزء من حياة الماضي، شيء يعرفه الكبار من رجال الماء مثل معرفتهم أصابع الكف. يتفاعلون مع السباق كثيراً، يتحدثون بلغة العارف لكل شيء، البحر، الريح، القارب وكل جزء منه. وتأتي معرفتهم هذه بعد تجارب طويلة مع البحر، حيث تكون للخبرة والتجربة الدور الكبير والسبق في الوصول إلى الهدف، وهناك تناغم في كل شيء بدأ من الماء إلى الأجزاء الصغيرة في عالم البحر، هؤلاء البحّارة على استعداد أن يتحدثوا كل الوقت عن شيء يعرفونه حق المعرفة. ??? البحر ساحر، بل قصيدة عذبة يعشقها الجميع؛ لأنه يمثل الصفاء والحب ونشيد الأعماق، القلوب المُحبة دائماً مائية، والألوان الجميلة دائماً شفافة. وسكان الشواطئ يعلمهم الماء العظيم الإبحار عميقاً خلف الدرر والمجهول، بين الريح، العواصف والموج العاتي والمطر، وفي المساءات الضريرة عندما تغيب النجوم ولا شيء في السماء غير نور الله، يعبرون أليم إلى المرافئ البعيدة. البحر أول اختبار للصبر، ويجب أن يكون قلبك صخراً وروحك ريشة في مهب الريح لتعشق البحر. المحبون دائماً مائيون.. فتعالوا لنغسل صدورنا وأرواحنا بالبحر. إبراهيم مبارك | Ibrahim_M barak@hotmail.com