قبل عامين تقريباً، استقدمت أسرتي سائقاً خاصاً “دريول” يحمل رخصة قيادة من دولة خليجية، وحسب الإجراءات المعروفة يجب على هذا السائق أن يصدر رخصة قيادة إماراتية، وطوال عام كامل بالضبط لم يستطع سائقنا المبجل اجتياز الامتحان، وعندما فعلها أخيراً كاد يبكي رعباً من الشارع! السائق المحترم لم يستطع أبداً قيادة السيارة على الشارع العام، فدموعه كانت جاهزة في عينيه، ورأسه يتحرك يمنة ويسرة ثم يرمي بتلك النظرة البائسة ليقول: “ما يقدر، أنا خوف”! هذا الخوف من قيادة السيارة في الشارع جعل السائق مخصصاً لمشاوير الذهاب إلى البقالة القريبة والمدرسة التي تبعد ثلاثة كيلومترات، أما أقصى نقطة يمكنه القيادة إليها فكانت العيادة الصحية على بعد عشرة كيلومترات، ما أجبر أمي إلى أن تحوله إلى مزارع عوضاً عن سائق. كل هذا الرعب من قيادة السيارة ينساه سائقنا في اليوم الأخير من الشهر، ليقول لنا أريد أن يتضاعف راتبي ليصل إلى 2000 درهم كي أستمر في العمل لديكم، وإلا سأذهب إلى شركة. كم مرة قلنا له “اذهب مع السلامة، لك نقل كفالة مجاني”، لكنه كان يدرك أن لا أمل له في أي مكان آخر. انقضت فترة عمله ليغادر إلى بلده، لكنه بالطبع سيطلب راتباً مضاعفاً حين يبحث عن عمل جديد على اعتبار أن لديه رخصة قيادة، ما سيكلف من يستقدمه مرة أخرى ثمناً غالياً. هذا السائق واحد من مئات من السائقين الذين لا يعرفون مبادئ قيادة السيارة، ويخافون من السير في الشارع، فتجدهم “يفرملون” دون سبب في الشارع العام، أو يسرحون أثناء القيادة ليستيقظوا فجأة بجوار شاحنة، أو يصابوا بالتوتر بمجرد أن يشاهدوا دورية شرطة. وجود أمثال هؤلاء في الشارع مسؤولية جسيمة تبدأ بالتأكيد من إدارة ترخيص السائقين في شرطة المرور، ففي اعتقادي يجب أن يتم تحديد عدد اختبارات القيادة برقم معين، من يتجاوزه يسقط حقه في التقدم نهائياً لاختبار القيادة عوضاً عن إعادته للمدرسة والبدء من جديد معه. والأفضل أيضاً أن تجرى اختبارات مكثفة خاصة على سائقي المنازل، فهؤلاء يقودون سيارات تقل أطفالاً يجب التعامل معهم بأسلوب مختلف عمن يقود سيارته وحده، بخلاف أن السيارات الأسرية تكون ذات دفع رباعي مختلفة عن السيارات الشخصية التي يستخدمها هؤلاء السائقون عادة، وهو ما يعني مزيداً من التحكم واليقظة وإدراكاً لعملية قياس المسافات في الشارع. وأخيراً من الأفضل أن تكون رخص قيادة السيارات لسائقي المنازل ذات فترة صلاحية لا تتجاوز السنتين، ولا يتم تجديدها إلا باختبار قيادة جديدة يخضع لها السائق، فمعظم سائقي المنازل يبقون لعدة سنوات دون قيادة أي سيارة في بلدانهم، وحين يعودون للعمل يبدؤون التعلم من جديد على حساب أرواح الآخرين في الشوارع.