يذكر روسو أن ثلاثة معلمين في الحياة، هم الإنسان، والطبيعة، والأشياء. الطبيعة تعلمنا عن طريق النمو الداخلي، وعن طريق الألم والمعاناة. والإنسان يعلمنا أو يجب أن يعلمنا، كيف نستفيد مما نتعلمه من الطبيعة. بينما الأشياء تزيدنا خبرة. ولكن بعض الناس لا ينطلي عليهم كلام روسو، لأنهم مخالفون طبيعة الحياة، ولأنهم يسيرون عكس المجرى المائي الذي حدده النهر، في طريقه إلى مزرعة الحياة. أناس يخالفون الطبيعة ويصير نموهم العقلي لا يوازي نموهم الزمني، بحيث يظلون مثبتين عند مراحل طفولية، ويسبقهم الزمن بمراحل، الأمر الذي يجعلهم يتصرفون بعبثية الصغار، ويمارسون الغوغائية في علاقتهم بالآخر، مما يجعلهم عرضة للخطر وكما يعرضون الآخر لنفس الأخطار، هؤلاء المثبتون عند نقاط الجبلة يصبحون عقبات معرقلة ليس لأنفسهم، بل لنمو حركة الآخرين، كونهم يعيشون في نفس المحيط، وتحت سقف خيمة واحدة تسمى الوطن. هؤلاء، يعتبرون الألم هو البحر الفاصل بينهم وبين النجاح في الحياة، فهم من أول وخزة ألم تصبح الحياة بالنسبة لهم خاوية وبلا معنى، ويصبحون منطقة جرداء، تذبل أغصانهم تحت سطوة شمس صحرائهم. هذا النوع من الأشخاص وظيفتهم في الحياة الأخذ والتلقي والاستجداء ولا يستطيعون أن يقدموا شيئاً للآخر وهذه سمة الأطفال. أما النقطة الثانية، فهي الإنسان، إنه المعلم الثاني بعد الطبيعة، الإنسان الذي نحتك به ونعاصره ونعيش معه في كنف واحد وتحت سماء واحدة. ولكن متى يتم التلاقح والتساقي؟ إنها لحظة التنوير الذاتي، وعندما يشعر الطرفان أنهما يدان في جسد واحد، يذهبان إلى الشجرة ليقطفا ثمرة الحياة. وهنا تكمن مبادئ الصيرورة، من منا يسبق الآخر في العطاء؟ من منا يستطيع أن يتجاوز حدود الذاتية، ويصبح وردة تعطي من غير شروط. لا بد وأن تكون هناك القدوة، المعطاء، والنموذج الذي يحتذى، فالمعارف لا توهب من الفراغ، بل لا بد وأن تتوافر الأسباب والأدوات التي تجعل المعرفة ممكنة، وأول هذه الأسباب هو الإنسان نفسه، لا بد وأن يتوافر الإنسان الأعلى، وفي مقابله لا بد وأن يكون في الطرف الآخر إنسان مثل شفافية ورقة التوت تأخذ من الندى قطرات البهجة لترخي فضيلة الاخضرار على الطبيعة. فإنسان يعطي وآخر يتلقى، والاثنان في وعاء النمو الوجودي يذهبان إلى إنماء الشجرة الكبيرة وهي الوطن، ولا يستقيم الوجود بوجود الكائن السلبي ولا تستمر الحياة بالتطور إلا بقوة الوعي بأهمية التكامل بين معارف الماضي وتطلعات المستقبل. في النقطة الثالثة يضع روسو الأشياء من حولنا كمثيرات تضيء لنا الطريق، لنتبعها وتأخذنا هي إلى محطات الازدهار، ولكن ليست كل الأشياء مفيدة بل إن بعضها يدفعنا إلى تدمير المصير، وإذا كان إيمانويل كانط يقول إن الأشياء هي التي تدور حول الفكر وليس الفكر الذي يدور حول الأشياء، إذاً فهناك تحريض خارجي، وهناك تربص بالمثيرات، الأمر الذي يتطلب الوعي ونباهة العقل في اختيار ما يفيد وترك ما لا يفيد. وطالما الإنسان، محكوم بالحرية، فإن الاختيار يحتاج إلى وعي بأهمية الاختيار لتصبح الحياة شجرة تسقى بماء المكرمات.