لم يمض على بدء تطبيق نظام القروض المصرفية الصادر عن المصرف المركزي سوى أقل من شهرين، حتى بدأت أصوات شريحة واسعة من التجار ترتفع، وتنادوا مطالبين بإعادة النظر فيه، لأن مصالحهم تأثرت بشكل واضح .
وهناك جهات أخرى تغذي هذه الدعوات، وفي مقدمتها المصارف نفسها ووكالات السيارات، وهي من الجهات التي تزدهر أعمالها، مما يمكن اعتباره فوضى التسهيلات المصرفية، وكانت تسود المشهد الاقتصادي والتجاري في البلاد، قبل تلك الضوابط التي أقدم عليها المصرف المركزي متأخراً، ودخلت حيز التنفيذ منذ الأول من مايو الماضي.
فالمصارف التي كان بند القروض الاستهلاكية الشخصية والتسهيلات الائتمانية يحقق لها أعلى الأرباح والمكاسب، تجد أن حالها قد توقف. ووكالات بيع السيارات اعتبرت أن شرط سداد عشرين بالمئة من قيمة السيارة كدفعة أولى قد جمد مبيعاتها، وأصبح عائقاً أمام ازدهار مبيعاتها وتنميتها.
وكل هذه الأطراف بدأت تثير الغبار وترفع الصوت نحو قرارات تنظيمية، نعتقد أنها وضعت الأمور، ولأول مرة في نصابها الصحيح، ونظمت قطاعاً مهماً وحيوياً من قطاعات الاقتصاد الوطني، بما يفترض أن يقوم عليه من تنظيم محكم، يحمي مصالح كل الأطراف، وليس فقط طرفا واحدا من أطراف معادلة الفائدة والاستفادة، وما قميص الاقتصاد الحر الذي يتمسحون به، ويتباكون عليه إلا كلمة حق يراد بها باطل، فليس من الاقتصاد الحر بشيء تلك الفوضى التي كانت سائدة.
لم يستوقف أصحاب هذه الأصوات حالات التشرد وانهيار الأسر بسبب تلك البنوك، وهي تغرق أشخاصاً تعرف حق المعرفة، محدودية قدراتهم المالية على السداد. كانت بعض تلك المصارف والبنوك، وللمزيد من إغراق الشباب المتعاملين معها، تحثهم على استخراج رخص تجارية وهمية من أن يرتفع حجم القرض الذي ستمنحهم إياه.
في غمرة الفوضى أغدقت بنوك أخرى على الشباب مبالغ لا قبل لهم على سدادها من أجل اللحاق بفورة الأسهم التي لم يبق جنونها ولم يذر عائلة في وضع مستقر. في أتون تلك الفوضى استغلت وكالات السيارات نزعة بعض الشباب للفشخرة، وسهلت حصولهم على سيارات تقترب أثمانها مع الأقساط من المليون درهم، والواحد منهم بدأ عمله للتو، وبعضهم لم يتسلم حتى راتبه الأول.
بل إن بعض هؤلاء كان يتصور أنهم يخدمونه بتلك العبارة السحرية من دون سداد دفعة أولى، والتأمين المجاني، وسداد القسط الأول بعد ثلاثة أشهر، من دون أن يدروا بأن ذلك يعني المزيد من الإغراق لهم في دوامة القروض.
سجلات المحاكم والشرطة تشهد بالضرر الذي تسببت فيه تلك الفوضى. وقد كان ضرراً فادحاً دفع ثمنه كثيرون قبعوا خلف القضبان بعد أن عجزوا عن السداد، ودفعوا ثمناً باهظاً للحظة عميت فيها البصيرة لفرط ما زين لهم موظفون كانوا يتقاضون عمولة عن كل شخص جروه إلى مصيدة الديون.
بعضهم بعد أن خرج من السجن لم يستطع أن يلملم شتات نفسه وأسرته لتعسر حصوله على وظيفة. وما نأمل ألا يلتفت المصرف المركزي لتلك الأصوات التي لا يهمها سوى مصلحتها.


ali.alamodi@admedia.ae