اعتقدته دوماً.. طيعاً رقيقاً يلتوي بيدي كما أبغيه، هكذا تعاملت مع النسيان طوال عمري، أجيد اختيار ما ابغي نسيانه وتجاوز ما أثقل ذاكرتي وقتما أريد؛ ولكن يبدو أن مهاراتي تفقد قدرتها مع التقادم، وإن كانت هذه النتيجة لا تتناسب مع الحقيقة العلمية، بأن النسيان يقوى كلما تقدمنا في العمر؛ ولكنه الآن يبدو عصياً شرساً يأبى أن ينصاع، يطوف حولي من دون أن يقترب فيما يراني أغرق وحدي في ذاكرتي، وقد ابتسم بلؤم منتقماً عن عبودية سابقة خلتها واهمة باقية لي مدى الدهر.

? ? ?

يأتي العيد كل عام ليذكرني بفشلي الذريع في عمل حلواه التي لم أفلح في صنعها يوماً، على الرغم من كل النوايا الحسنة التي أشحذ بها نفسي والأماني الطيبة بنهايات سعيدة والتي أجهد بها قبل العيد لكي ابدأ بفعل شيء كهذا، إلا أن الخذلان مصيري، حتى بات للعيد عندي طعم غريب، فيه مزيج من حيرة وحزن وقليل جداً من رذاذ السكر الناعم.

? ? ?

نحن كبشر نميل دائماً للمتاح، ونعبر الطريق الذي نجده أمامنا بسلاسة وهدوء، آمنين لجدرانه مطمئنين بين ردهاته، ولذا نجد أنفسنا في لحظات سيرنا فيه -حتى وإن باغتتنا أحجار متساقطة من هنا وهناك- نعبره بمنطق المسير للقدر، فلا نتخذ قرارات حقيقية لتركه، وكل ما نفعله أن نزرع بعض الدموع على جنباته؛ فالقناعة أشد ما تكون بأننا مسيرون في طريق لا مفر من السير فيه؛ ولكن أن تأتي لافتة تخبرنا بأننا أيضاً مُخيرون، وأن علينا اتخاذ قرار وتحمل مسؤولية اتخاذه، فهذا مؤلم جداً.
قد يكون الطريق الجديد صعباً ومؤلماً، وفيه من المنغصات أكثر من سابقه، وقد تبدو جدرانه متهالكة وقابلة للانهيار، وقد تتساقط بعض صخوره، وتتسبب في جروح غائرة في أيامنا، ولكننا بما نملك من مقدرة وأمل وروح مختلفة، قادرون على تحويل تلك الصخور إلى لبنات في ذاكرة حياتنا.

? ? ?

اشتاق دوماً للأماكن التي تقبلني وتصهر دواخلي من دون عراقيل؛ تلك الأماكن التي تخبرني بأسراري، وتتنبأ لي بمغامراتي المقبلة؛ الأماكن التي يطل منها أبطال الحكايا القديمة بكل مفاجآتهم التي اخفضها، وأظل أكرر اندهاشي منها على الرغم من تكراراها؛ الأماكن التي تمتلئ بعبق العصور القديمة وخبايا الكثيرين الذين مروا عليها؛ أماكن تشبهك بكل أحاديثك وأسرارك وقصصك الملأى بأدوات السحر وخيوط الخيال.


السعد المنهالي Als.almenhaly@admedia.ae