أكثر ما يضحكني في كأس أمم آسيا استديوهات ومجالس التحليل، التي تحولت إلى شيء أشبه بمجالس لتصفية الحسابات واستعراض المهارات وكسب شيء من الشهرة، فالاستديوهات باتت منبراً لمن لا منبر له، وسلاحاً لمن لا سلاح له، ومهنة لمن لا مهنة له.
وأسهل شيء في هذه الاستوديوهات، التي تسمي نفسها تحليلية، وهي بعيدة كل البعد عن التحليل والنقد الموضوعي، هو الانقلاب والتراجع والتحول في الآراء والأفكار والنظريات، حيث تتابع المحلل يدافع عنها ببسالة، وكأنه في معركة حامية الوطيس، وفجأة و”بقدرة قادر” تجده يخالف ما قاله بالأمس تماماً، وهذا ما يفقد هذه الاستديوهات المصداقية عند المشاهد، الذي يعتقد السادة المحللون أنه مشاهد الأمس، حيث يمكن الضحك عليه من خلال سرد أحداث المباراة، دقيقة بدقيقة، باعتبار أن هذا تحليلاً فنياً، وبالتأكيد هم مخطئون في ذلك، فغالبية المشاهدين اليوم، بل سوادهم الأعظم، أكثر من المحللين الأفاضل علماً وفهماً لفنيات الكرة، وطرق لعبها، وأسلوب المدربين، وقراءتهم للمباراة، وغيرها من الأمور التي يدعي المحللون بانهم يفقهونها.
والطامة الكبرى أن هذه الاستديوهات التحليلية تعطي نفسها مساحة شاسعة من الحرية، والصلاحيات البعيدة كل البعد عن التحليل الفني، ولعل أطرف قضية ناقشتها المجالس والاستديوهات التحليلية كافة، هي قصة ذلك الفرنسي، ذو الشعر الطويل، المدرب برونو ميتسو، فكل القنوات، من شرقها وغربها، وبمختلف أطيافها وأعراقها، اتفقت على أن ما قام به الأشقاء في اتحاد الكرة القطري غلطة ستكلف قطر الكثير، فعشية خسارة قطر من أوزبكستان رأى السادة المحللون أن أمام اتحاد الكرة فرصة ذهبية للتكفير عن ذنوبه، وتجاوز خطاياه تجاه قطر والشعب القطري، برمي شنطة المدرب ميتسو فوراً بالشارع، والبحث عن بديل، وذهب بعضهم لأبعد من ذلك، بأن أبدوا استغرابهم من عدم استجابة الاتحاد القطري للشارع الرياضي، وللجماهير الرياضية، ولا أعرف هل يفترض أن تدار مؤسساتنا من الشوارع؟ فرمى المسؤولون عن الكرة القطرية تلك الأحاديث خلف ظهورهم، ومضوا في سيرهم.
وبعد سقطة قطر، كانت سقطة الكبير، الذي جف عوده، وسقطت أوراقه، فركب الموجة، وسارع بإقصاء مدربه، ظناً بأن في كل مرة ستسلم الجرة، وما حدث بأرض البقاع قد يحدث ثانية في الدوحة، ولكن شتان بين الاثنين، فكان التصفيق من محللي “الغفلة” لما سموه بالقرار الشجاع، الذي دفع السعودي ثمنه بخسارة تاريخية من سوريا، وفضيحة مدوية من اليابان!! فيما تأهل العنابي مع ميتسو، فماذا تقولون إذاً أيها السادة المحللون؟ وكيف ستواجهون مشاهديكم؟ فقد بصمتم بالعشرة بفشل المنتخب القطري، وكذلك بالمدرب ذي الشعر الطويل؟
إن ما نشاهده يعتبر مهاترات وتصفية حسابات، أو قد يكون أي شيء آخر، ولكنه لا يمكن أن يكون تحليلاً فنياً، فلنراعي عقلية المشاهد المتفتحة، ووعيه الذي يتفوق على العديد ممن يسمون أنفسهم محللين.


m.eisa@alittihad.ae