عندما تصل إلى الوثبة، يطل عليك مهرجان الشيخ زايد، من نافذة البياض، والتاريخ تراه يتمشَّى على سجادة الإرث النبيل. هُناك تمضي أنت مثل طائر النورس على ظهر موجات من الفنون الشعبية، التي تطلق النشيد عالياً، وتخصب فضاءك بعشب الفرح، تشعر وأنت في أزقة المهرجان، وكأنَّ التاريخ كائن حي يمسك مروحة ملوَّنة ويهفهف على جبينك، والجلابيب البيضاء مختلطة مع العباءات الشفيفة ليبدو اللون ممتزجاً مع الأرض، وتكون أنت بين يدي الحي القيوم ترصد هذا الانبعاث الحراري من أفئدة صممتها الصحراء كي تكون واحة لإنتاج الفرح، وساحة لاختلاج المشاعر المتدفقة مثل شلال حط من علٍ. عندما تكون هناك يكون بصحبتك تاريخ مزدهر بمعطيات الإنسان، وما سردته الحكاية القديمة عن إنسان الإمارات، هذا الكائن الأسطوري، هذا الراهن الآشوري، والكلداني، والسومري، والبابلي، كلهم يحضرون هنا لأنَّ الإمارات لم تكن يوماً جزيرة عزلاء، بل هي من نسيج هذا الازدهار، المبهر، والهائل والمذهل، لأنك وسط هذا الزحم تشعر أن الإمارات لم تكن طارئة على الكون الفسيح، بل هي منه وله وإليه، وعنه وفيه، هي بلد جمع بلداناً منذ الأزل، هي تضاريس أشجارها من ذلك العمق الإنساني، وبحرها لم يزل يرفع الموال، كي تعزف الزعانف، لحن الخلود، في زمن الأحفاد والجدود زمن الذين ما تواروا عن النجم، رغم الكثبان العالية لأن أعناق النوق كانت الأكثر عملقة، والأعظم رشاقة، وهكذا تفرح عندما ترى الشباب والشيب، جميعهم يقفون صفاً واحداً يهتفون باسمك يا وطن، ويحيون الإرث الجميل الذي كرّسه الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وأمده الخلف الصالح، بكل أسباب الحياة والحيوية.. هذا المهرجان هو عنوان نبل أبناء هذه الأرض، وهو صولجان التراب العريق، وهو نقطة البدء بلا نهاية لأن الحياة هي الخيط الممدود والسهل بلا حدود، والحلم المسرود، والفكرة السابحة في الحياض والرياض، والإنسان، هو هذا الحي الساعي دوماً إلى محارات البقاء إلى سوار الفرح وإلى قصيدة تقف عند قافية رزينة وبيت موزون، ببحر الرجل النبيل، الشيخ زايد، طيب الله ثراه. هذا المهرجان هو في الوعي الإماراتي، نخلة جنية الرطب، سخية الخصب، هو كل ما على الأرض الطيبة من اخضرار ونهار وبحار، وإنسان طيب الأعراق، يصون ولا يخون يكون ولا يهون، يحب ولا يكره يبني ولا يهدم وحكايته أنه من عيال زايد.