باستثناء البطولات القديمة التي خاضها المنتخب الوطني في التسعينات، وثنائية زهير بخيت وعدنان الطلياني، وعدنان حمد وهو يصرخ بحماس “ قاااعد اشووف انوااار روما الآن” حين تأهل المنتخب الوطني لمونديال ايطاليا عام 90، والفوز بخليجي 12، فأنا لست من متابعي كرة القدم، ولا خبرة لي فيها. كنت فقط أحب إحساس الزهو في لحظة النصر، حين يدخل هدف “إماراتي” في شباك “خصم”، أحسه إنجاز صنعته أنا شخصياً. ثم بعد توالي الهزائم أصابني السأم والإحباط، خاصة حين تطول مدة الإثارة دون هدف يتوج الانتظار. قلت لنفسي “أبذل طاقتي في شيء مضمون النتائج أحسن”، كنت أفكر ببراجماتية بحت، فتلك الطاقة التي يبذلها المشاهد طوال التسعين دقيقة المليئة بالترقب والإثارة ثم الهزيمة أو التعادل صفر صفر، بدت لي وقتاً عبثياً وإهداراً لطاقة الإنسان الثمينة وقد تصيب الإنسان بسكتة قلبية جراء صدمة الخسارة. ورأيت أن من الأفضل للإنسان أن يستغل وقته وجهده في شيء يعرف نتيجته مسبقاً، كأن يقرأ كتاباً مثلاً يعرف أن خاتمته بين يديه حتى ولو لم تعجبه. أعترف، لم أكن من هواة التشويق. أدرك الآن وأنا أتابع الناس الذين يتابعون البطولة الأوروبية لكرة القدم، أن في الأمر أبعاد أخرى أكثر من المفهوم المباشر لفكرة النصر والهزيمة. إنها البهجة! يجتمعون حول شاشة تلفاز. الجميع متشوقّ! والجميع ينتظر المباريات. الجميع أقصد الشباب الصغار، الشباب الكبار، والرجال الكبار جداً يعودون أطفالاً صغاراً مرحين مليئين بالطاقة والحيوية. وأيضاً النسوة والفتيات، يتركن الأحاديث الجانبية والوقوف الطويل أمام المرآة والجدل ويبتهجن بمتابعة لعبة كرة قدم! يؤجلن المشاحنات الشخصية ويصبح بينهن جميعاً حوار كرويّ نديّ.كلهم يجلسون متوثبين، في انتظار لشيء مثير، مع تداول الكُرة بين أقدام اللاعبين، تتحرك الدماء الراكدة في شرايين المشاهدين، تشرق الوجوه، تتألق بشوق الترقب، تتغير نبضات القلب الرتيبة، يصفقون، يصرخون، يضحكون، يتناقشون، يعيشون أوقات بهجة تشع من مسامات جلدهم وتنتشر في الأجواء فتبعث حيوية في المكان. هذا العشق لهذه الكرة، يمنح المهتمين بها، الشغوفين بها، بهجة عارمة، بهجة نادرة، بهجة يتركها الإنسان وراءه وهو يكبر بعيداً عن الطفولة في دروب الحياة الوعرة، يستعيدها، وينال العجب! حين يتابع لعبة حلوة لكرة قدم. ورغم أنني لا أتابع المباريات، إلا أن متابعة التحليلات الرياضية تستهويني، فحين يتعلق الأمر بكرة القدم، يتحول الجميع لمحاورين أذكياء. يكونون في منتهى الانتباه، والدقة في التعبير، والجرأة في الطرح والصراحة والصدق مع النفس والخصم، والشفافية وقوة الملاحظة وروعة الحضور ويبدو ألا سقف لتوهج فكرهم! وأشعر أن الإنسان حين يعيش في أجواء يحبها ويتعامل مع ما يحبه حقاً بدون قيود ولا تحفظ تظهر النسخة الأجمل منه والأكثر نضجاً واكتمالاً. وهؤلاء أشخاص يحبون الكُرة، والحب يجعلهم سعداء، والحب يعطيهم طاقة وحيوية، ويجعلهم أذكياء، ويمنحهم البهجة. وأتساءل متى كانت آخر مرة أحسست فيها أنا بالبهجة؟! لذلك أريد أن أعشق الكُرة. أن أدرجها ضمن اهتماماتي إلى جانب الكتابة والقراءة وتأمل البحر والسماء والتحديق في الأفق. أريد أن أعشق الكُرة، لأكون حيوية متطلعة بشوق وترقب لحدث جديد مثير سيأتي حتماً في موعده المحدد من قبل الفيفا الدولية. أريد أن أعشق الكُرة لأنتظر الفرح والبهجة وأعرف يقيناً، وبدون شك، أنها ستأتي مع بطولة كروية جديدة. Mariam_alsaedi@hotmail.com