يرقص طرباً، يهلل ويكبر، ويزبد ويرعد، ويسرد ويجلد، ويفسر ويفند، منتشياً كأنه الطائر المتوحش في ساعة الفرار من قيد.. يبحلق عينيه، ويحملق في الفراغ، ويصرخ بصوت وئيد، وجهور “عافية على الشباب والله سووها”، ثم يبتسم، ويلتفت إلى من حوله، يريد أن يسمع صوتاً أو حتى همساً، يريد أن يناقش بحرارة، وفجأة يسمع ترددات صوت خفيض من مكان في زاوية الجلسة، ولما لم تصله مخارج الصوت جيداً، يصيح بصوت هادر.. نعم. يقول الصوت يجب أن نتريث، فليس كل ما يلمع ذهباً. فرد زاجراً، ناهراً، قائلاً: دعك من هذا التهريج، أنتم أعداء لثورات الشعوب، أنتم تريدون الناس أن يعيشوا عبيداً. اكفهر وجه محدثه، واصفر واحمر، وشعر بأن هذا المدافع عن الديمقراطية يضم في صدره ديكتاتوراً بحجم الدمل، ديكتاتوراً متقيحاً، متورماً، شرساً ومفترساً، أحس وكأنه يريد أن ينشب أظفاره في عنقه، فاعتدل الرجل، وقال بصوت هادئ: يا أخي هذا رأي، فلماذا ترفضه؟ أليس من أصول الديمقراطية أن يمنح الفرد حق التعبير عن رأيه إذا لم يتجاوز الأدب؟ قال كيف؟ لأنك شككت بالثورات، واعتبرتها عملة فاسدة وليست ذهباً. قال: هذا رأي، ولك أن تحتفظ برأيك. الديكتاتور: في رأيي أن أمثالك يجب أن يقهروا ويقمعوا، ويزالوا من الخريطة لأنكم تقفون عقبة في وجه عشاق الديمقراطية. قال: وهل القمع من شيم الديمقراطية؟ الديكتاتور: يجب أن تزاحوا من الطريق لتستمر مسيرة الديمقراطية. قال: إذاً ما الفرق بينك ومن تنتقدهم، وتريد الثورة عليهم. الديكتاتور: لا.. لن أسمح لك بأن تشبهني بالديكتاتورية. قال: بل أنت ديكتاتور صغير، والديكتاتور الصغير إنسان مريض، يعاني عقدة نقص مرتبطة بتاريخه الاجتماعي، وما هذا الصراخ إلا نتيجة لرفض ما بداخلك، تلك العقدة المزمنة، أما عن الادعاء بتأييد الثورات العربية، فهو ليس إلا طلاء خارجياً، لأن ما تقول عنها ثورات قد تناسب مجتمعاً ما، ولكنها لا يمكن أن تكون رداء لكل مجتمعات الدنيا. الديمقراطية وسيلة وليست غاية، وإن لم تحقق الوسيلة غاية الناس من الرفاهية والعيش الكريم، فلا حاجة للناس بها. الديكتاتور ينتفض وبلهجة حادة وشرسة قائلاً: أنت إنسان بلا ضمير، ولا مبادئ. فيرد محدثه: وهل الضمير الحي يوصي للإنسان بأن يشتم ويسب ويلعن من تختلف معه؟ وهل المبادئ تدعو إلى التقليد الأعمى دون وعي أو دراية؟ ثم يربت على كتفه قائلاً: اهدأ وصحح معلوماتك ولا تكن إمعة. marafea@emi.ae