مرة أخرى يطل الرحيل أو نودع جميلاً أبدع، يباغتك بغموضه وانسياب الفكرة الأكثر مباغتة في رحى الحياة، والذي يستدل على الروح، فيقصيها أينما كان الود والجمال، ملهماً البشر بتحطيم الواقع، إنه العازف الأبدي على وتر الحياة. رحل أديبنا ناصر جبران، فثمة نص آخر يكتب، نص مختلف في حضوره وغيابه، بل يرتقي في المعنى الحقيقي للحياة، المتجسد في روح الكتابة والهدوء والنقاء، ولا يخفي الرحيل هذا شيئا سوى ما يشابه البقاء في القلب سيرة عطرة، ونفساً جميلة تصعد مع نبض الحياة، إنه ناصر جبران المتزن في القرار، المشع بأنوار حضوره، وهو المتحضر ومكتسب الاحترام، الجاذب لكل حلم، ولو كان صغيراً عابراً فيك كالابتسامة، إنه بوجبران الذي لا يعرفه الغياب على الرغم من مدى المسار وبعده. حين وصلتني تلك الرسالة الغامضة من الأديبة أسماء الزرعوني، كنت أضع خطوة على عتبة باب معرض الشارقة للكتاب، كانت رسالة توحي بأقل صدمة، وبمعنى رحيل ناصر، ثقيلة خطواتي بدأت، كأني أمام ما يوحي بالسراب، لكن سرعان ما اختزلت الحزن والصمت، اختزلتهما في أعماقي، وهذا أشد ما يبدو فعله وكأني أطل في عمق الصمت وأتحدث في ندوة إلى جانب أصدقائي علي أبو الريش وطالب الرفاعي وكنت أصافح الوجوه بابتسامة حزينة. الراحل الجميل يتمتع بصداقة معظم الأدباء إلا أن الصديق إبراهيم مبارك كان ملازماً له وأقرب منا إليه، وكان كثيراً ما ينقل عالمه الجميل إلى حديثنا، عالم نقي بهي فلا يمكن أن أمزج هذا الرحيل بعالم جميل وذكريات اختزلتها كما لو اختزل الأفكار من أجل كتابة شيء من النصوص الأدبية. عرفت ناصر جبران باتحاد كتاب الإمارات وعرفته عن قرب فكانت أفكاره الجميلة لا تدعك بعيداً عن مكونه الثقافي المتزن حتى تلازمنا معاً في سفر، ومثلنا مع الصديق إبراهيم مبارك، اتحاد كتاب الإمارات في اجتماعات اتحاد الكتاب العرب، ولَم يكن الراحل مجرد رئيس للوفد بل كان مثالاً للشخصية المحاورة المتخذة للقرار بتأني الروح وروية، وكان ذا فضاء فكري جميل وشخصية حضارية إبداعية. الراحل الجميل ناصر جبران من المؤسسين لاتحاد الكتاب، وله الكثير من الإصدارات الجميلة وتفوق الوصف، لكن في حضوره لا يشعرك بالتميز ولا يمكن أن يمرر حضوره بالتفاخر أو يفتخر بثقافته أو كتاباته وهو الجميل في إبداعاته، إنها نظرة المفكر المبدع، وتواضع الشخصية المستقرة الناضجة الهادئة، رحم الله ناصر جبران.