لُمني ولا تلُم المحبة. كسادٌ سيلفّ قلبك إذا نحّيت مجراها ورحت تشرب من لمع السراب. وضحالةٌ سيصيرُ عمق غوصك، وأرض ارتحال رؤاك سيكحلها العمى. ومن يباعد بينه وبين المحبة، ينزلقُ لا محالة في النزيف، وهيهات يعبر في الضوء وثيابه غمامٌ داكنٌ، ورجلاه ثقلُ أحقاد. أيها الناكث بالمحبة، ربما لو آذيت قلبي يبتلُّ نصرك في ليل وهمك، وقد يختارك المذعور ظلا، ويرى فيك الجبان مرآته الصادقة. لكن حُرقته ستكبر غداً، حين تتكشفُ في لبّ عينيه هشاشة انتسابك للمعاني السامية. وبدلاً من المسامحة، سيجرك العنادُ إلى الغرق في الضيق، وبدلاً من الصفو، ستكتظُّ رؤاك بالعجاج، ولن ترى إذا مشيت إلا السدود متبوعة بسدود، وستظل هكذا حائراً لأنك أضعت مفتاح قلبك. ولن يعود الحدسُ دليلك، ولن تجذب خطاك إلا الحفر والجروف. دع فمي قليلا ليبتهل: أحبها، أحبها. المرأة التي دررٌ عرق جبينها، وعصافير خضراء تاج المحبة فوقها، وتدورُ مسبحةُ الندى في أصابعها الزاكية. ودع مطري يواشج عطرها، ونُبلُ لقائنا يبتلُّ بأكثر من حنوّ، وعطلة الحياة تصبح بيننا بيتاً للترف. كلما تجهّم فم الوقت، رمينا حجراً على الماء وقلنا للبحيرة: ابتسمي. وأينما سقط سهم الحب في العشواء، بنينا مكانه كوخ البداية وسيّجناه بانفتاحنا على شهوة الدرب الطويل. وبمكنسة الصفح، تطهّرنا من خصام الزمن ولم تعرف شفاهنا بعد ذلك شكلا للتبرمِ، ولا نطقت بعدها بآهٍ. والخوف الذي كان جمراً على طول الطريق، ترمّد تحت رفيف ارتفاعنا في سماء تشفُّ لأجنحة المحبة، ويفتح الملاك بابها إذا طرقناه بيدين متعانقتين. لُمني ولا تلم المحبة. فأنا في شجر الأنساب جذرٌ نافرٌ بين صخرٍ كثيرٍ وحصى. وعروق قلبي تتغذى من تطابق الضدين فمٌ يئن على فمٍ يغني. تُمسّد شعري الريح وهي ملساءُ في أوّل ربيعها، وتعود تنفشه يد العاصفة وهي سليلة غضبٍ نقيّ. حاذرت قدري بما يكفي، وعرفت أن المصير هو ما أكتبه بحبر القلب، وهو ما يظل يشعُّ إذا استمر الليل، أو تأخر فجره. وأن أحب الحياة، يعني أن أنتمي لتقلباتها. مرة إذا فاضت النار أقفز في النبع وهيهات أغرق. ومرة إذا لبس الشتاء بدلته البيضاء، أهديته الشمعة ومنحت قبعتي إليه. ليست المحبة حصاناً يظل يركض في الدائرة، إنها طلقة العاشق في المطلق، عندما ترتد عليه.