عدوى ثقافية في غير محلها، إذ تفرط بعض المسلسلات الخليجية في سيناريوهات مريبة وغريبة وعجيبة لا تمت بصلة إلى الواقع، بل لا تستشرف شيئاً من المستقبل وإنما هي تقليد أعمى لتلك المسلسلات اللاتينية المشحونة بفظاعات غزت الوجدان الإنساني، بمركبات النقص وعواهن أزمنة مرتبكة حملت رياحها العاصفة غبار الأفكار المطاردة بالغبن والعهن وزبد ورمد وصديد وفن رعديد.
مسلسل محلي يمعن في تكريس الاغتصاب والعلاقات العاطفية المريضة ويزيح كل هذا إلى ماضي الإمارات وعلاقات أفرادها في ذلك الزمان، ولا أدري كيف جاء المخرج ومؤلف القصة وكاتب السيناريو بهذه التخرصات، وكيف ركب هذه الأدوار ورماها في جوف الصحراء لتأكل أخضر ذلك الزمان ولآلئ بحره التي أفرزت عادات وقيماً، ما كانت تسمح أبداً بمثل هذه الصرعات العاطفية فاقدة المعنى والمغزى.. فالعمل الفني الخارج عن سياق المعنى الإنساني الذاهب عميقاً في ظلمات التعتيم والتلغيم، لا يؤدي إلا غرضاً واحداً، ألا هو القفز على الواقع والكذب على الزمن وتهميش دور المتلقي كونه الشاهد على وقائع ينبغي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من وجدانه، وألا تكون مجرد تحليق في فضاءات مبهمة.
الفن رسالة، ورسالة مثل هذا العمل الفني المحلي هي التشويه والتسويف والتحريف والتخريف والتجريف، وتحويل مسار الفن إلى تفرعات مروعة وإلى تشققات مرعبة وإلى انحرافات مخيفة.. فماذا يستطيع أولياء الأمور أن يقولوا للأبناء الذين سوف يتساءلون عن ماضي أهل الإمارات.. هل كان الحب يمارس بهذه العجرفة في وحشة بساتين النخل بين فتاة عذراء وشاب أغر بر، هل كان الحب يمارس على شطآن البحر عند المساءات وتحت جنح الليل.. فأي فتاة كانت تجرؤ على الخروج إلى أماكن موحشة دون رعاية ولي الأمر أو من ينوب عنه؟.. لا يا سيدي المخرج المبجل، الفن ليس إبهاراً ولا دهشة من دون معنى.. الفن عطاء إنساني يخدم قضايا الإنسان ويلج بحار المشاعر بوعي ودراية ومسؤولية والتزام أخلاقي، وإن خرج عن هذا السياق، يبقى مجرد قنابل موقوتة تنفجر في وجه المجتمع ما يؤدي إلى تهشيم الوجدان وتدمير القيم الأخلاقية وتحويل الزمن إلى محطات فوضى أخلاقية، وكان يجب على أصحاب هذا المسلسل أن يعوا دورهم الثقافي، والإمارات غنية بإرث أخلاقي وثقافي يكفي لأن يبرز مسلسلات تقوم بدور البناء لا الهدم.. وإذا كان المخرج “عايز كده”، فإن المجتمع له حق بأن تبرز إنجازاته الإنسانية، على صعيد العلاقات العاطفية، وبناء المشاعر الصحيحة.. هذا المسلسل اغتصب الحقيقة في “زريبة” أفكار بائسة.


Uae88999@gmail.com