تصوروا معي لو أن ما حدث على شاطئ كورنيش رأس الخيمة خلال الأيام القليلة الماضية من ابتلاع البحر لحياة أربعة أشخاص في أقل من عشرة أيام، قد حدث في تايوان أو كوريا الجنوبية أو اليابان، لوجدت أرفع مسؤول في البلدية أو الدائرة المعنية يعلن أمام وسائل الإعلام استقالته وتنحيه عن منصبه، هذا إذا لم ينتحر على رؤوس الأشهاد في منطقة معروف سكانها بالشعور المفرط للغاية بالمسؤولية، لأنه فشل في حماية أرواح وصون متطلبات أمانة المنصب الذي يشغله.
في المقابل مع كل حادثة مؤسفة من تلك التي جرت هناك لا نسمع إلا التبريرات والتنصل من المسؤولية، وإلقاء اللوم على الضحية “الذي لم يلتزم بأخذ الحيطة والحذر في مكان يستوجب ذلك، وانتقاد الضحية لأنه لم يكن منتبها ومتيقظا لأي مفاجأة قد تحدث في أي لحظة، كأن تتحول نزهة في مكان جميل وسط طقس أجمل الى رحلة من دون رجعة.
وقبل أن يقذف المسؤولون في مرور وشرطة وبلدية و”أشغال” رأس الخيمة من خلف مكاتبهم الأنيقة بالمسؤولية على الضحايا، لم ينسوا تذكير الرأي العام الى حاجة الخور والكورنيش الى إقامة حواجز وسياج، كما لم ينسوا تذكيرنا بأنهم غالبا ما يتقاذفوا المسؤولية بشأن تأخير تركيب الحواجز على امتداد الخور والكورنيش الذي يعد وجهة مفضلة للعائلات، خاصة في هذه الأيام التي تشهد طقسا جميلا يغري الجميع، وبالذات الأسر للخروج الى هذه المنطقة.
وقبل تقاذف المسؤولية وسباق لوم الضحايا، هل سألت أي من هذه الجهات نفسها عن طبيعة الإجراءات الاحترازية التي قامت بها بعد فاجعة الحادث الأول الذي شهد وفاة شاب خليجي هرع لنجدة آخر عربي سقط بمركبته في مياه الخور؟!
هل أقامت مثلا نقطة للتدخل السريع في الموقع الى جانب اتخاذ اجراءات احتياطية اضافية تعزز السلامة العامة بدلا من الاكتفاء بالتحذيرات التي تطلق من هنا وهناك، مع كل حادث جسيم يقع، وتفقد معه أرواح بريئة، وينصب كل النقد للضحية الذي لم يلتزم بإجراءات الوقاية والسلامة في مفارقة عجيبة لفهم البعض للمسؤولية العامة، ودوره في تعزيز الجانب الوقائي من الحوادث، خاصة في مثل هذه المواقف المؤلمة التي سيبقي ألمها ومرارتها في قلوب تلك الأسر التي فقدت أعزاء لها. وفي المقدمة منها تلك الأسرة القطرية التي دفع ابنها السائح في وطنه الثاني الإمارات ثمن نخوته وشهامته، وهو يحاول إنقاذ حياة إنسان لا يعرفه ولا تربطه بي أي رابطة سوى الانتماء الإنساني المشترك، مرارة تظل عالقة في قلوب هاتين الأسرتين وغيرهما ممن فقد عزيزا في حوادث مماثلة.
وبعد أن كانت الأسر تتبادل التحذيرات من حالة الطرق في رأس الخيمة، أصبحت اليوم تحذر أفرادها من ارتياد الكورنيش ومناطق الخور بعد انتقال عوارض تقصير البلدية والأشغال إليهما، وهي عوارض واضحة للعيان، وليست بحاجة سوى لتذكير هؤلاء بإحصائيات شرطة المرور التي لديها الأرقام الدقيقة عن زهور يانعة انطفأت مبكرا.


ali.alamodi@admedia.ae