البعض صنع الكذبة وصدقها، وراح يركض لاهثاً خلف سرابها، معتقداً أنه حقق المجد الشخصي عندما سرب أفكاره في مَنْخُل الادعاء، وهرب قيمه المهترئة عبر قماشة الافتراء، وأعلن عصيانه على الحقيقة. البعض فضل أن يكون تابعاً خانعاً لأهواء وأرزاء وأنواء لفحت رمضاؤها عقله المأفون، وسار ملوناً أفكاره بأكاذيب ظن أنها المرسلة من السماء الهابطة من فضاءات مقدسة لا يجب المساس بها.
البعض خاصم الوطن بعناد الأغبياء وتزمت الأدعياء، مرتمياً في أحضان من قالوا له كذباً إنه أمسك بزمام الحقيقة، وإنه صاحب صكوك العفو والغفران، ما جعله يخوض في معارك خاسرة، ويمضي ضمن مشاريع فاشلة، ويذهب عميقاً في الهراء والافتراء، ويخض خضيضه في حضيضه، ويجلب ضروع الأفكار العجفاء، مجافياً حقيقة أن الوطن أكبر من الأشخاص، وأن الحب لا يتجزأ، فمن لا يحب وطنه لا يحب الله، فالله الذي دعانا لبناء الأوطان وتعميرها بالصدق والإخلاص، ومن يفعل غير ذلك فهو خائن للأمانة التي أودعها الله بين يدي الإنسان.
ولكن مهما تصلب البعض وتصلف وتزلف وخالف فإنه ليس إلا قشة تذروها رياح الحق وإيمان المخلصين بحب الوطن، والأمر هين مهما بلغت مرارته لأن وطن الحب لن تهزه ارتجافة المترجفين، ولا حقد الحاقدين، ولا تعسف المتعسفين، ولا هراء المهترئين.
وطن الحب ترعاه عين الله وأفئدة المحبين الذين جعلوا من حبة التراب قطرة من دم الجسد، فلا هذا ولا ذاك يمكن أن يعكر صفو هواك يا وطن، العشب الأخضر والضمير الحر. كل شيء هين عندما تهون الأرواح في سبيل عزتك وفخرك ونهضتك يا وطن النبلاء والناس الأجلاء.
فليذهب كل آثم ومعتد زنيم إلى الجحيم، ولتذهب الأفكار المخادعة إلى سراديب من أرادوا أن يعششوا في مخادع النفاق والشقاق، أما الوطن فهو باقٍ، متساق من روافد أهله، وعطاء قيادته، وقوة وشكيمة من اتحدوا على كلمة سواء، لا تهزها ريح، ولا تعثرها تباريح.
ففي الدين أن يحفظ الإنسان عرضه وأرضه وألا يساوم ولا يناور ولا يبيع ويشتري بالمبادئ لحساب مخالب الشيطان وكل عديم أثيم، رجيم لئيم، لا مبدأ له سواء بغض الحياة وكراهية السعادة، والحقد على كل جميل ونبيل.
الأمر هين ما دام هناك شعب عاهد الله أن يكون الوطن منواله ومواله وسؤاله وجزالة انتمائه، وفضيلة الوفاء إليه.
الأمر هين لأن الوطن أقوى من الهوامش المعفرة بغبار المذاهب الواهنة والأفكار المعنونة بالكذب.


marafea@emi.ae