لا نتعجب أبداً، أن تتخلى الولايات المتحدة عن تعهداتها تجاه القضية الفلسطينية، كوسيط نزيه، طالما بقي الأشقاء أعداء، وطالما اتسعت الهوة بين شقي الصراع الفلسطيني، وصار ما بينهما ما صنع الحداد، فلا يمكن أن ينصفنا الغريب، ونحن الذين نضرب القضية الفلسطينية في صميمها. ما يحدث بين فتح وحماس، يفتح الطريق واسعة أمام كل المغرضين والمتربصين، وأصحاب النوايا الخفية. فعندما تصبح حماس دولة ذات سيادة في غزة، وتنكفئ الرئاسة في رام الله، مكتوفة الأيدي، وكل المحاولات لرأب الصدع الفلسطيني تبوء بالفشل، لأن لكل شق من شقي الاختلاف أجندته، وأجندة حماس معروفة، وبوصلتها مكشوفة، وأحلامها واضحة، ومآربها جلية، فكيف إذا لا تتحرى الدولة العظمى، وتنقض كل التزاماتها تجاه فلسطين، وتعلن عن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، فهذا هو الأمر الطبيعي، فعندما تكون ضعيفاً وممزقاً ومتفرقاً، سوف ترفسك الجياد وحتى الأرانب، لأنك لا تملك ما تمنع به هذا الجموح العالمي والرضوخ الكوني تحت سنابك خيل إسرائيل، لأنها الدولة القوية، واللوبي الصهيوني في أميركا وفي كل مكان، يمارس ابتزازه لمراكز القوة في هذه الدول، والفلسطينيون لا يملكون غير الامتعاض من تصرفات الآخر، ونسوا أن سبب المشكلة يكمن في قلوب أهل القضية الذين عجز سحرة السياسة في كل مكان عن توفير الحرز الذي يدرأ عنهم خطر الانشقاق، ويمنع عنهم الأنانية، ويكبح عنهم التحزب الأعمى، الذي أعطى الأولوية للطائفة، وترك القضية الجوهرية تغوص في وحل الصراعات والشعارات الجوفاء، والأفكار الوهمية والتطلعات الوهمية، التي جرّت المصائب والويلات للشعب المسكين، وجلبت الفقر وقلة الحيلة لملايين البشر الذين يعيشون تحت سلطة حماس في غزة المنكوبة. لن يتورع ترامب، ولا غيره عن الإذعان لرغبة إسرائيل، لأن الجميع يعرف أن فلسطين ليس لها صاحب، و«الجماعة» مشغولون في الخلافات الهامشية، والتي تهم الأفراد وليس القضية، وما يحدث اليوم من زعيق (حماسي) ما هو إلا زبد سيذهب جفاء، والصراخ سينتهي إلى فقاعات تذوب في اللامنتهي، ولن يدفع الثمن إلا الشعب الفلسطيني، ويمكن أن نسمع عن صاروخ بدائي ينطلق من غزة، ولكننا سنصم آذاننا بانفجارات مدوية ومدمرة تأتي من إسرائيل، وسوف تكون الفاتورة بخسائر مذهلة، وسينتهي الحال إلى هذا الحد فحسب. الحقوق تحتاج إلى قوة تحميها، والقوة تنبني على وحدة الصف وتسامي الهدف، والابتعاد عن الصغائر، وهذا لم يحدث عند أشقائنا في فلسطين.