العلم هو الطريق إلى فتح قارات الحياة، هو قارب النجاة الذي يتخطى أمواج الجهل، وإذا كان الإنسان هو مقياس كل شيء، فإن العلم هو رمانة هذا المقياس.. ولا يختلف اثنان على قيمة العلم، في توجيه بوصلة الحياة، وعمران الأرض، بعد إضاءة العقل.. فنحن بحاجة إلى العلم، ولذلك من واجبنا توفير البيئة الملائمة للإنسان كي يتلقى العلم، وكي يستفيد من قضاء الساعات الطويلة في قاعات الدرس، ولا أحد يتطور فكرياً خارج محيط العلم، ولا مجتمع يحافظ على منجزاته الحضارية من دون أشرعة العلم التي تأخذه إلى مساحات واسعة من التحصيل والفهم واستيعاب متطلبات الحياة. ولكن الساعات التي يقضيها طالب العلم، لا تعتمد فقط على المدة الزمنية، فهي قد تكون وبالاً على عاتقه عندما يصبح الزمن الدراسي مجرد ساعات تقضم عمر الإنسان من دون أن تقدم له ما يريد، والعلم أقر منذ زمن بعيد أن طالب الدرس لا يستطيع أن يستوعب ما يلقى عليه من دروس، بعد قضائه خمساً وثلاثين دقيقة، أما الزمن الفائض بعد ذلك فيصبح هدراً للوقت وللعمر. فطالب العلم إنسان، والإنسان لديه طاقة متى ما نفدت، يصير مثل أبله يسمع ولا يعي. إذاً فالمقياس بنجاح العملية التعليمية يقوم على فهم الإمكانية العقلية والنفسية للطالب، وإذا تجاهل المعنيون بالتعليم هذين العاملين، فإنه يطيح العلم والمتعلم، وتصبح العملية التعليمية كمن يلاحق طائراً يحلق في السماء، وهو يغرس قدميه في الأرض.. كما أنه لا يمكن لأي عملية تعليمية أن تحقق أهدافها إذا لم تستند إلى دراسات علمية، يقدمها مختصون، ودارسون وإستراتيجيون وعلماء تربية، وعلماء اجتماع وعلماء نفس، هؤلاء وحدهم الذين يقررون ما ينفع وما لا ينفع، أما القرارات التي تأتي بمحض إرادة ذاتية، فإنها لا تجدي ولا تقدم نفعاً، وفي النهاية، يفشل المتعلم، وتتقاعس العملية التعليمية عن إعطاء الحلول الملائمة التي تنقذ المجتمع التعليمي من التخبط، والضياعات في خضم القرارات المتسرعة، وأحياناً العشوائية.. فالمدرسة، فناء واسع، يحتاج إلى العقل الخالص، الذي يقوم بدوره الإيجابي في صناعة وعي تعليمي يرفع من قيمة العلم ويقدمه للطالب على أنه ديدن الحياة لا محبس العذاب.