لم تعد الانتخابات البرلمانية عندنا مجرد تجربة، لقد خرجت من تلك الشرنقة وصارت واقعا نلامسه ونشعر بأبعاده وحراكه، هي مسألة تحتاج لبعض النضج المجتمعي قبل أن تكون نضجا من مستويات أعلى. وفي خضم معمعة الانتخابات برزت أمور تبدو صغيرة في عيون المرشحين لكنها تؤثر وبقوة في مسألة حصولهم على الأصوات المرجوة أو تكوينهم للواقع المطلوب منهم. وأبرز الأخطاء الصغيرة التي وقع بعض المرشحين أو التي ارتكبتها المرشحات تحديدا هو الاختفاء عن الأنظار! وغياب صورة ووجه المرشحة عن إعلاناتها الدعائية، غلطة بسيطة لم يحسب لها الكثير من الحسابات لكنها في عرف أهل الانتخابات تدمير كامل لجهود الحملات الانتخابية. بعض المرشحات حجزن صفحات إعلانية كاملة في الصحف واكتفين بنشر الاسم وشعار رنان تحته، بينما الأجدر أن تضع المرشحة صورتها ليراها ناخبوها ونبذة عن برنامجها الانتخابي وأجندتها المستقبلية ليعرف الناس أي امرأة هي، ولم تستحق هي تحديدا الصوت الغالي؟ الاختفاء وراء ستار من العادات والتقاليد التي نجاهد كلنا في الحفاظ عليها لا يعني الاختباء عن الناخبين، فالمرشحة تحتاج ثقة الناس لكسب أصواتهم والثقة لا تعطى لشخص مجهول. وحين تكون المرأة عاملة في مهنة عادية، كطبيبة أو كاتبة أو محامية أو مدرسة أو غيرها من المهن المعتادة لا يبدو من المهم أن تظهر صورتها للناس، فهي تتعامل مع مجتمع محدود لم يختاروها بل هي من اختار هذه الوظيفة ودرس واجتهد للوصول لها. يختلف الأمر بالكامل حين تكون هذه المهنة (العضوية في المجلس الوطني الاتحادي) فهنا يصبح الجمهور وثقته بها الوسيلة الوحيدة للحصول على عضوية المجلس، لذا تختلف المقاييس ولا يبدو الاستتار عن الناس منطقيا بل يصبح خللا غريبا لا أعرف كيف لم ينبه له خبراء الحملات الانتخابية الذين ظهروا فجأة (كالفقع) بيننا. النقطة الأخرى التي يقع فيها الكثير من المرشحين أيضا عدم وضوح الأجندة المستقبلية، أو ربما عدم عرضها جيدا على الجمهور، يكتفون بالإعلانات البراقة الملونة وبشعارات وطنية مجلجلة وينسون عرض وسيلة التطبيق التي يتميزون بها والتي ينتظرها الناخبون بشغف. البعض يذيل الإعلان بموقع إلكتروني، وهناك من يطلب اللحاق به في الفيسبوك، وآخرون يغردون في (تويتر). كل ذلك جميل لكن لم تفترضون أن صاحب الصوت سيتبع المرشح ليعرف معلومات إضافية؟ ولا تحضرون هذه المعلومات على طبق من راحة للناخب الذي قد يقرأ الإعلان في استراحة عيادة أو انتظار حلاق. يفترض أن تحوي إعلانات الصحف تفاصيل أكثر عن إعلانات الشوارع، وأن تترك انطباعا حقيقيا يتأثر به الناخب ومن ثم يلاحقها إلكترونيا. يريد الناخبون أعضاءً يتحدثون بأصواتهم وينقلون أفكارهم وطموحاتهم، لا أسماء أشباح مجهولة بلا صورة ولا رأي حقيقي يعرفونه، وعلى المرشحين أن يراعوا هذه النقاط جيدا.