شحوب الأيام لا تزال أطلالها هاجعة في الذات ترمم ما تبقى من محن، وتصون ما يرسي على شواطئ تموج بحبرها، وتخلّد إرثا يصعب حجره مثل طقوس في النفس. لا يبدد وهج القراءة نسل طيف أو صخب، لها افتتان رهف الطلع، اقتطاف جميل من وردة الوقت الممتزج بعطر الخصوصية. منذ بدئها الأول وكأنها تعرج بالعمر مثل صداقة ترسم زخرفة، بدئها يلامس ورق أملس، تهجأ حرفا لم تكتمل أبعاده، ترسم خيالها في النفس لتفضي بالقراءة نحو الحب الأبدي. تهوي يد الوالد يرحمه الله حين كان يحضر من العمل، ليست النجوم وحدها على البذلة مكللة بالمعاني، إنما لفيف الصحف: “الاتحاد”، “الخليج”، أحيانا “زهرة الخليج”، مجلة “الشرطة” و”درع الوطن”.. انسياق اللهفة للحرف يعني اختزال جميل يمرر نبض العقل على مدار كان ينضج ويعبق بمحاسن الإدراك. هدي آخر للقراءة، اقتفاء أثر المدونات أينما تكن، كلاهما مجلتي “درع الوطن” و”الشرطة” عسكريتين إلا أن نسقهما غني ثمار ثقافية، أيضا كان يضفي للقارئ ما من شأنه الإضافة، ولا أنسى تجربة الأستاذة عبلة النويس بجريدة “الاتحاد”، التي كان لها إطلالة على عالم النشء الثقافي، كانت تخاطب مخيلة الصغار بقيمة الحوار والتحفيز بالجوائز، ثم أطلت مجلة “ماجد” كانبثاق مختص بثقافة الطفل، فكان لها وقع مثير وجميل، وتحمل قصصا ذات ابتهاج جعلها تولج في خصوصية المكان وعبق الزمان وحملت نسق أبطالها بأسماء محلية كتعبير صادق عن الثقافة المحلية. فمنذ الأعداد الأولى اقتفيت أثر المدونات كالأزمنة العربية، أما مجلة “ماجد” فقد حظيت بالمساهمة كاكتشاف أول، انبعاث يصبو نحو الخصوصية وتجسيد حالة، احتضان أول ومساهمة جلية، إفراز آخر على صفحات “زهرة الخليج”، ولم أقطع الود والتواصل حتى بعد الابتعاث إلى الخارج من أجل الدراسة، فكانت بمثابة زهرة حميمة التواصل والتفتح. مجلة “الصوت” كانت تعبر عن صوت الطلبة في أميركا تصدرها سفارة الإمارات، ولم استثنى من المشاركة لأنها صوت الفرح والحزن والغربة، وكنت أحمل مدوناتي أينما أصبو، مشتركا بجريدة “الاتحاد” ومن ثم جريدة “البيان”، وهو أمر يحمل بعض من الأصدقاء على الحضور والاستئثار بالقراءة رغم أن الصحف تصل لكثيرين منهم. ومن الطرائف الجميلة عن القراءة والمدونات، حيث صدف ذات مرة بأن مكتبة الجامعة تعج بالصحف السعودية مثل “عكاظ” و”الجزيرة”، و”الرياض”، وكنت ألحظ بأنها لا تمس بتاتا، فسألت السيدة المشرفة، هل لي أن آخذ بعضها؟ فأجابت في الحال خذها جميعها، لا أحد يقرأ هذه الصحف فربما لأن الطلبة لا يبالون بها، لكن بالنسبة لي كانت بمثابة الهدية الجميلة والتي من خلالها تعرفت حقيقة على العالم الثقافي السعودي، وكأن هذه المصادفة رسمت صفحة أخرى من المتابعة والمثابرة نحو كتاب ومقالات تستحق أن تتوقف عندها.