من الأمور التي تُشْعِر بالألم والحسرة والقهر، ألا نلتفت لتكريم مبدعينا من كتاب وأدباء وشعراء وغيرهم وهم يعيشون بين ظهرانينا، ولا نتذكرهم إلا بعد موتهم، أو بلوغهم من السن عتيّاً، بحيث لا يتمتعون بتكريمهم حق التمتع، فيُجرّون إلى منصات التكريم جراً أو يحملون حملاً، وقد احدودب الظهر وذهب البصر. وموقف المكرّم في هذه الحال يدعو إلى الشفقة أكثر منه إلى التكريم، فما نفع التكريم إن لم تطرب له الآذان، وتنتعش به النفوس وتسكن به القلوب وتستشعره كل الحواس. وكم يحزّ في نفوس أبناء وأهل المبدع المكرم ألا يكون التكريم في حياته فيفخرون به ويحسون بأن “مزمار الحي يطرب” أهله، فلمَ لم يكرم حيّاً قبل أن يوارى الثرى. وللأسف كثير من المبدعين لم نلتفت إليهم وإلى إبداعهم إلا بعد أن تغربوا وهاجروا وشقوا طريقهم خارج حدود بلدانهم، فوجدوا البيئة المناسبة لتقديم إبداعهم وهُيّئت لهم الظروف المناسبة لمواصلة مسيرتهم وتقديم المزيد من الإبداع. ثم نلومهم ونتهمهم بالهروب، وقد كانوا بيننا نكرات، لا نلتفت إليهم مجرد التفات، بل هناك من حورب في مجتمعه، ودُفع دفعاً للاغتراب. يثلج الفؤاد حين يُكرّم أديب، أو كاتب، أو شاعر، أو مفكر، في احتفال رسمي وشعبي، منقولاً عبر وسائل الإعلام المختلفة، يشعر الأديب المكرم بمكانته وقيمة ما قدمه بين أهله وبني جلدته، فترتاح نفسه، فكم سيكون مسروراً أن يسمى مركز ثقافي، أو قاعة جامعية، أو مكتبة أو متحف، أو شارع، أو حديقة باسمه ويرى ذلك بأم عينه في حياته، أم أن ذلك يجب ألا يتم إلا بعد موته، وما نفع ذلك حينها. كثير من مبدعينا في عالمنا العربي من نالوا جوائز عالمية ورفعوا اسم بلدانهم في المحافل العالمية شقوا طريقهم بأنفسهم في الصخر، وعانوا الأمرّين خلال مسيرتهم، ولم يقل لهم حتى كلمة شكر على تمثيلهم بلدانهم خير تمثيل. دعي صديق يعيش في أحد البلدان العربية للتكريم ضمن احتفالية كبيرة باعتباره “بطل إنتاج”، بالإضافة إلى وضع صورته في لوحة كبيرة لأبطال الإنتاج في أشهر ساحات المدينة كل عام تجدد سنوياً، وكان ذلك الصديق من المعدمين الفقراء ومن المخلصين والمجتهدين في المصنع الذي يعمل فيه واصطحب أخويه لمساعدته في حمل الهدية، ليجد في النهاية علبة موازييك صغيرة لضيافة الحلوى، وشهادة تكريم تثني على جهوده، وعلى الرغم من ذلك ما زال يتفاخر بذلك بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة، وفي الحقيقة كان وقتها في غاية النشوة وإحساس بالنصر، فقد أحس بالتقدير وهو يصعد إلى منصة التتويج أمام جمع غفير، بالإضافة إلى أن صورته تصدرت لوحة الشرف وصار من المشاهير. إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae