قبل النور يستيقظ الكبار، ومع صوت أذان الفجر تمسح خطواتهم الأرض، هم رجال ونساء كبروا، هرموا، صاروا أجدادا ولهم أحفاد، يذكرون الله صبحا ومساء، يبدأ ليلهم من المغرب، وشمسهم تشرق قبل الفجر. كثير منهم متقاعدون، يجلسون في المنازل، مشاويرهم قليلة، وأصحابهم يتخطفهم الموت أو المرض، تجبر وحدتهم زيارات الأحفاد الصغار، وتسليتهم الوحيدة ( الأرض) بكل ما فيها. الأرض بترابها الطيني، ورائحة العشب الأخضر، ومنجل يقطعون به الحشائش الفضولية، هي غايتهم وعشقهم الذي يسليهم آخر العمر. لا تسرحوا بعيدا فالأرض بمعناها الكبير ليست إلا حديقة البيت الصغيرة، بشجيراتها القليلة، ونخلاتها المتناثرة، وأحجارها القرميدية، يتعايش معها كبار السن، يزرعونها ويسمدونها، ويدفنون تحت نخلاتها ما فسد من السمك. إلى الحديقة الصغيرة التي زرعوها بعد مضي العمر ، يحملون كل مساء “دلة القهوة” وصحن التمر، يستظلون بالشجر، لا يبالون بالمارة، يجلسون رجل كبر عليه الدهر، ورفاق أبقاهم العمر يصارعون السكر والضغط والشرايين المتصلبة، يتسامرون ويتحدثون وما حديثهم إلا عن ذكريات خلت أو شجيرات في الحديقة ينتظرون أن تثمر. هذه الحديقة التي زرعوها منذ سنين ستغدو حديث ذكريات بعد أن تسلم بعضهم إنذارات بإزالتها، تحتج الجهات المسؤولة بعذر استهلاك الحدائق للمياه، وتدمع عيون “ شوابنا” وقلوبهم معتصرة على ما زرعوا أمام بيوتهم من أشجار. غرامة طائلة تلاحق من يتخلف عن إزالة الحديقة التي تحيط بمنزله، والناس يضربون أخماسا بأسداد، لا يعلمون الحل وتعلو وجوههم الحيرة، هل يمكنهم أن يزيلوا جهد السنين بغمضة عين، وهل يقدرون على رؤية المكان خاويا على عروشه بعد أن كان أخضرا يريح القلب؟ وإن لم يفعلوا من أين ستأتي غرامة التخلف عن إزالة الشجر ؟ وكم من المال يمكنهم دفعه بعد أن صارت رواتب المتقاعدين لا تكفي حتى لملئ السيارة بالوقود؟ هل يمكن للجهات المعنية مراجعة القرار المجحف بحق مسيرة البيئة في الإمارات، والمؤلم لقلوب أصحاب البيوت الذين دأبوا يزرعون سنينا، هل يمكن أن تتحول الغرامة من غرامة إزالة الحديقة إلى غرامة على من لا يستعمل أنابيب الري بالتنقيط ووسائل الزراعة الصديقة للبيئة؟ أيمكن أن يتصدى شخص باستراتيجية اقتصادية لتنمية الزراعة المنزلية في الإمارات عوضا عن إزالتها وكأن لا حل آخر. ألا يمكن تمويل عمليات معالجة للتربة المنزلية كي تصبح اقتصادية توفر استهلاك المياه، أين تجارب مادة الـ«سانوبلانت» العضوية التي تخلط بالتربة وتعمل على حفظ الماء والسماد والعناصر المغذية للنبات ومنع تسربه للمياه الجوفية، وأين التقنية الإماراتية بتصغير التربة لتقليل حجم الفراغات البينية بين الحبيبات ما يؤدي إلى زيادة العناصر الغذائية فيها. هناك حلول أخرى أتمنى من المسؤولين البحث عنها ومراعاتها، قبل أن يفكروا بقطع الأشجار، فكروا بفوائد أشجار البيئة، وابحثوا عن طريقة للاهتمام بها تجبر قلوب أصحابها وتعينهم على رعايتها دون هدر للماء.